رأيٌ في الأحداث (٧٣) الإصلاح الديني:
Nov 24, 2025 3
980 79

رأيٌ في الأحداث (٧٣) الإصلاح الديني:

"الإصلاحُ الدينيُّ" عنوانٌ مُستفِزٌّ لرجلِ الدين، خصوصًا أولئك الذين يتصدرون مقاعدَ القيادة. الضجرُ من فكرةِ الإصلاح الدينيِّ حقيقةٌ بشريّة؛ فلو قال لي أحدُ الشباب بعدما قطعتُ هذا الشوط من الجهادِ والعمل: إنَّ كنيسةَ القديسِ أثناسيوس بحاجةٌ إلى إصلاح، فستكون إجابتي على الفور: لو كان بالإمكان أفضلُ مما كان لما تأخرتُ عن فعلِهِ، وأظن أن غيري كذلك، لأن رجالَ الدين – كواحدٍ منهم – اعتادوا على التبجيلِ الذي يمنعهم من رؤيةِ الأخطاء والضعفات!
ارتبطت عبارةُ الإصلاح الديني باسم الراهب الأوغسطيني الألماني "مارتن لوثر" والبابا ليو العاشر وقضية صكوك الغفران، ولم يعبأ مارتن لوثر بحرمانات البابا التي لم تزد عن كونها ضجيجًا أجوفَ لا يمتلك مفاتيحًا للتاريخ على الأرض، ولم يكن مؤيدًا بنعمةٍ إلهيّة من السماء؛ فلولا إصلاحُ مارتن لوثر لما حدثَ إصلاحٌ في الكنيسة الكاثوليكيّة نفسها التي احتفلت به كرجلٍ بارٍّ في ذكرى مرور خمسمئة عام على ثورتِهِ الإصلاحيّة.
فمارتن لوثر الذي كان قارئًا جيّدًا للقديس أثناسيوس، وكان يريد أن يعود بالكنيسة الكاثوليكيّة إلى الأرثوذكسيّة الأولى؛ لم يُؤثّر فقط في التاريخ المسيحي وتأسيس حركةٍ إصلاحيّة كنسيّة، وكنيسةٍ معروفةٍ باسمه "الكنيسة اللوثريّة"، ولكنه أثّرَ في التاريخ الحديث وعصر التنوير في أوروبا، لأنه قال بشجاعة: "لا" لملكِ ملوكِ أوروبا. فماذا سيكون شكلُ العالم وحريةُ الإنسان والفكر، وواقعُ حال أكبرِ الكنائس المسيحيّة في العالم؛ لو كان لوثر قد جَبُنَ أو تقاعسَ عن الشهادة لحقِّ الإنجيل؟
لا أريد ولا أتمنى لأحدٍ أن يسلكَ مسلكي في الإصلاح، فعلى الرغم من أن الرب أعانني لتأسيس ميناءٍ للراحة وملجأٍ للمضطَهَدين؛ إلا أن لجوئي إلى كنيسةٍ أرثوذكسيّةٍ أخرى: "كرسي القسطنطينية"، جعلني لا أملك الحق في أن أتدخل في أي شأنٍ من شئون كنيستي الأم التي رَبوتُ فيها وتسلمتُ منها الإيمان؛ فقد تغيّر التاريخ، وصار هنالك عشرات وربما مئات الشباب الذين درسوا لاهوت الآباء والذين يستطيعون أن يُشكّلوا تيارًا لاهوتيًا إصلاحيًا يُجدّد شبابَ الكنيسة ويستردّها إلى تعليم آبائها.
الإصلاحُ ليس تمردًا ولكنه محبةٌ للمسيح والكنيسة، والإصلاحُ ليس نُزهةً ولا افتخارًا ولكنه طاعةٌ للإنجيل وحملٌ للصليب؛ فمن يحمل صليبَ الإصلاح لا يتوقعُ إلا الصلبَ عليه، ولكن السرورَ الذي يُشجعه على حمل صليب الإصلاح هو أن أطفاله لن يغادروا الكنيسة إلى الإلحاد أو غيرها بل سيكونون أعمدةً فيها يُكمّلون مسيرته ويبنون جدرانها.
الإصلاحُ الكنسي ليس كبرياءً واستعلاءً وإدانةً لضعفاتِ القادة وسقطاتهم، ولكنه واجبُ الشهادة لحقِّ الإنجيل والدفاعِ عن كنيسةِ المسيح التي اقتناها بدمِهِ في مواجهة غطرسةٍ وإفسادٍ وكبرياءِ البشر والشياطين؛ فلولا كلُّ جهود الذين سبقونا وما تحملوه من ظلمٍ واضطهادٍ وحرماناتٍ ظالمة، لما كنا اليوم نمتلك أدواتَ الدفاع عن الإيمان وتثبيت الكنيسة والشهادة لحقِّ الإنجيل.
"وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ." (يو 8: 32).

بنسلفانيا – أمريكا
٢٢ نوفمبر ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV