رأيٌ في الأحداث (٧٢) | كُونُوا حُكَمَاءَ:
Nov 20, 2025 2
980 79

رأيٌ في الأحداث (٧٢) | كُونُوا حُكَمَاءَ:

يظنُّ البسطاءُ أن الشيطان لا يمكنه أن يندسَّ في الكنيسة، وإذا كان هذا تصوّرهم عن الجماعة التي تنتمي إلى المسيح، فماذا عن العالم الذي يُنكر المسيح ويرفضه! فمنذ بداية تأسيس الجماعة المسيحيّة كان واحدًا من تلاميذ المسيح الاثني عشر "شيطانًا": "أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ أَنِّي أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، الاثْنَيْ عَشَرَ؟ وَوَاحِدٌ مِنْكُمْ شَيْطَانٌ!»" (يو 6: 70)، وقد قال هذا محددًا عن تلميذه الخائن يهوذا الإسخريوطي، وقبل أن نتساءل: لماذا اختار المسيح تلميذًا خائنًا وشيطانًا؛ فإن محبةَ الله العظيمة للإنسان لا تفرّق بين إنسانٍ خاطئٍ وإنسانٍ بار، بل وتعطي فرصًا متساويةً ومتكافئةً بعدالةٍ ومحبةٍ للجميع.
فإذا كان هذا هو الحال مع نواة الكنيسة بحضور المسيح نفسه، فماذا عن أحوال الكنيسة في عصور الضعف: تاريخ الكنيسة المصريّة يخبرنا أن البطريرك الستين "ثيؤفانيوس" كان به شيطانٌ وكان يتكلمُ بتجاديف، وقد انتهت حياتُه نهايةً مأساويّة؛ إذًا فالتاريخ يحكي أن واحدًا من تلاميذ المسيح كان به شيطان، وأن بطريرك الكنيسة كذلك كان به شيطان، فماذا عن ملوكٍ ورؤساءَ وأباطرةِ الشعوب الذين قتلوا وظلموا ملايين البشر!
ليس من الأدبِ واللياقة ولا من التقوى أن أقول على أحدٍ إن به شيطانًا، إلا إذا كنتُ أنا أبًا أو مرشدًا له، فإني أخبره بيني وبينه بورطته؛ ولكن من السذاجةِ القاتلة ألّا أميّز تسلُّط الشياطين على العالم والبشر، وألّا آخذ حذري بوقارٍ وصمت، وهذا هو معنى كلمات المسيح: "لاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلاَّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ." (مت 7: 6)، التحذيرُ هنا هو من الشياطين المتلبّسة بالبشر.
يطلبُ المسيح من الآب لأجل المؤمنين: "لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ." (يو 17: 15) فهل معنى هذا أن أمتنع عن شراء الماركات العالميّة التي أعلم أن أصحابها يرفضون الإنجيل أو غير ذلك من التصرفات الانعزاليّة والعدائيّة نحو من لا أثق بإيمانهم وتقواهم؟! هذا ليس الإنجيل وليست محبة الله، لكن الإنجيل هو محبةُ الجميع مع الحيطةِ والحذرِ بحكمةٍ وأدب حينما ينبغي أن يكون الحذر واجبًا.
فكيف يُميّز المؤمن إذا كان الشيطان موجودًا داخل الكنيسة نفسها؟ المسيح له المجد أعطى إجابةً واضحةً ومحددة: "مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً." (مت 7: 16-18).
فإذا كان الكاهنُ أو الأسقفُ أو البطريرك حقودًا، مملوءًا من روح البغضةِ والانتقام، فكيف يكون مثلُ هذا مسيحيًا أو ليس به شيطان: "وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ." (1 يو 2: 11)، و "نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْتِ." (1 يو 3: 14).
فإذا كنتَ تُصلي مع كاهنٍ أنت تعلم أن به شيطانًا فأنت تُعرِّض نفسك وأسرتك لثمار هذا الشيطان، وإذا كنتَ تخضع لأسقف أو لبطريرك كله حقدٌ وكراهية فأنت تخضع لسلطان الشيطان، وإذا كانت إدارةُ الكنيسة تصمتُ أو تغضُّ الطرف عن شكاوى الرعية من أخطاء غير مقبولة للكاهن فهي تُلقي بعثرة مميتة أمام شعبها وأبنائها: السكوتُ والتساهل تحت أي معانٍ اجتماعيةٍ أو سياسيةٍ هو اشتراكٌ في خطايا الآخرين: "لاَ تَشْتَرِكْ فِي خَطَايَا الآخَرِينَ." (1 تي 5: 22).
إذا كنتَ أنت الراعي المسئول عن الجماعة المسيحية؛ "فَاعْزِلُوا الْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ." (1 كو 5: 13)، أمّا إذا كانَ الشيطان يتحكمُ بالأسقف أو البطريرك: فاخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِي لِئَلاَّ تَشْتَرِكُوا فِي خَطَايَاهَا، وَلِئَلاَّ تَأْخُذُوا مِنْ ضَرَبَاتِهَا. (رؤ 18: 4). 
قال المسيح له المجد: "لاَ يَقْدِرُ الْعَالَمُ أَنْ يُبْغِضَكُمْ، وَلكِنَّهُ يُبْغِضُنِي أَنَا، لأَنِّي أَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّ أَعْمَالَهُ شِرِّيرَةٌ." (يو 7: 7).
وهذا هو رأيي في الأحداث والتاريخ.

بنسلفانيا – أمريكا
١٩ نوفمبر ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV