كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة الثامنة عشر | العشاء الأخير
Nov 20, 2025 5
980 79

كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة الثامنة عشر | العشاء الأخير

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد الذي له كل المجد إلى الأبد. آمين.
نتابعُ قراءتَنا في إنجيلِ القديسِ يوحنا، هذهِ هي المحاضرةُ الثامنةَ عشرةَ، وعنوانُها: "شهادةُ الأعمال".
لقد اعتادَ أحباءٌ كثيرونَ أن يستخدمُوا النصَّ الواردَ في الرسالةِ إلى روميةَ: "إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ." (رو 10: 17)، واعتمدوا على هذا النصِّ في أنَّ الإيمانَ نتيجةٌ للخبرِ بكلمةِ الله. أيْ أنَّ المهمةَ كلَّها هي محصورةٌ في الوعظِ، أيْ في تقديمِ الشهادةِ التي بالكلمةِ.
وعلى هذا، أحببتُ أن نُراجِعَ دِقَّةَ هذا النوعِ من الفهمِ معكم، ونذهبَ إلى المسيحِ نفسِهِ وإلى تلاميذهِ، ونسألَ الربَّ يسوعَ المسيحَ: كيفَ كانَ يُبرهنُ على إرساليتِهِ؟

 

برهانُ المسيحِ الدامغ: "أعمال أبي"
الربُّ برهنَ على إرساليتِهِ بالقولِ، مُقدِّمًا تحدِّيًا عظيمًا: "إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي." (يو 10: 37).
كما أجابَ اليهودَ في موضعٍ آخَرَ: "أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. اَلأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِاسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي." (يو 10: 25).
ويُضيفُ للتأكيدِ على ضرورةِ هذهِ الأعمالِ كبرهانٍ: "وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ." (يو 10: 38).
وفي موضعٍ آخرَ يُوضِّحُ الربُّ: "وَأَمَّا أَنَا فَلِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا، لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا، هذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي." (يو 5: 36).

 

تفنيدُ المغالطة: أعمالُ يهوذا ومَن يسيرون على نهجه
أعتذرُ إنْ كانَ كلامي سيجرحُ البعضَ، ولكنَّني أُعلِّقُ بسببِ غيابِ برهانِ الأعمالِ في الكنيسةِ اليوم.
يذهبُ البعضُ إلى النصِّ القائلِ: "كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟" (مت 7: 22)، فيقولُ لهمُ الربُّ: "فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!" (مت 7: 23). فيُعلِّق البعض: ها قد عملُوا الأعمال، إذنْ فالأعمالُ ليستْ برهانًا.
طبعًا، هذهِ - وأعتذرُ مرةً أخرى - مغالطةٌ في الفهمِ.
النموذجُ الواضحُ لهذا الكلامِ هو يهوذا الإسخريوطي: الذي ذهبَ مع التلاميذِ في إرساليةِ البشارةِ الأولى ورجعَ معهم بفرحٍ قائلينَ: حتى الشياطينُ تخضعُ لنا باسمِكَ "فَرَجَعَ السَّبْعُونَ بِفَرَحٍ قَائِلِينَ: «يَا رَبُّ، حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِكَ!»" (لو 10: 17). 
ودهنُوا بالزيتِ مرضى كثيرينَ فشُفُوا. "وَأَخْرَجُوا شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَدَهَنُوا بِزَيْتٍ مَرْضَى كَثِيرِينَ فَشَفَوْهُمْ." (مر 6: 13). كانَ يهوذا من ضمنِ الاثني عشرَ، والكلامُ ينطبقُ عليهِ وعلى الشريحةِ التي يُمثِّلُها.
هذهِ الشريحةُ هي: "لأَنَّ الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا مَرَّةً، وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي، وَسَقَطُوا، لاَ يُمْكِنُ تَجْدِيدُهُمْ أَيْضًا لِلتَّوْبَةِ، إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأَنْفُسِهِمِ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ." (عب 6: 4-6).
فالبعضُ يأخذُ هذا النصَّ ويُعمِّمُهُ، لأجلِ غيابِ نعمةِ مواهبِ الروحِ القدسِ في الكنيسةِ. وبدلاً من أن يكونَ الحلُّ هو أن نأتيَ قدامَ المسيحِ ونطلبَ أن يَسكُبَ مواهبَهُ، نذهبُ إلى القولِ بأنَّ الأعمالَ ليستْ شرطًا وليستْ برهانًا، مستدلِّينَ بما قيلَ لهم: "إني لم أعرفْكم".! "فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!" (مت 7: 23).

 

البرهانُ على اللاهوت
علينا أن نتذكَّرَ أنَّ الإنجيلَ لا يُقرأُ آياتٍ مُنفصلةً، فالأناجيلُ والرسائلُ كُتِبتْ كرسالةٍ متكاملةٍ على بعضِها من الألفِ إلى الياءِ.
ونحنُ ذاهبونَ لقراءتِنا في إنجيلِ يوحنا مُحدَّدًا، لأنهُ كُتِبَ خصيصًا ليسَ فقط لكي يُبشِّرَ بالمسيحِ ويشهدَ لهُ، ولكنْ مُحدَّدًا لكي يُبرهِنَ على لاهوتِ المسيحِ. ومن ثَمَّ، فالمسيحُ يبرهنُ على نفسِهِ بالأعمالِ التي هي أعمالُ الآبِ: "إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي." (يو 10: 37).
إنَّ الأعمالَ التي هي أعمالُ الآبِ هي شهادةٌ للمسيحِ، وفي الوقتِ نفسِهِ هي شهادةٌ على الذينَ يرفضونَ الإيمان.
لذلكَ قالَ لهمُ الربُّ: "لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ عَمِلْتُ بَيْنَهُمْ أَعْمَالًا لَمْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ غَيْرِي، لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ، وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ رَأَوْا وَأَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي." (يو 15: 24).
إذًا، الأعمالُ التي هي أعمالُ الآبِ هي البرهانُ الدامغُ على ربوبيةِ يسوعَ، وعلى أنَّ يسوعَ المسيحَ هو ابنُ اللهِ، وأنَّهُ في الآبِ والآبَ فيهِ، وأنَّهُ هو والآبَ واحدٌ. 

  • "أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ." (يو 14: 10).
  • "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ." (يو 10: 30). 

 

لذلكَ فهو يعملُ أعمالَ الآب.

سرُّ القوةِ: "لأنِّي ماضٍ إلى أبي"
النقطةُ التاليةُ في التعليمِ هي أنَّ الربَّ أرسلَ التلاميذَ وأعطاهم السلطانَ أن يعملُوا الأعمالَ ذاتَها. فقالَ لهم: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا، لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي." (يو 14: 12).
فما معنى "لأنِّي ماضٍ إلى أبي"؟ يربطُ الربُّ بينَ ذهابِهِ وقوةِ أعمالِ تلاميذِهِ في الموضعِ التالي:
لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي (الروح القدس)، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. (يو 16: 7).
فالربطُ هنا جوهريٌّ: إنَّ ذهابَهُ ودخولَهُ إلى مجدِ الآبِ (بجسدِنا الذي هو جسدُهُ) يُصبحُ رصيدًا مُضافًا للبشريةِ، هذهِ الأعمالُ هي إذًا شهادةٌ على سُكنَى الروحِ القدسِ، وشهادةٌ على سُكنَى المسيحِ بالروحِ القدسِ في كنيستِهِ.

 

البرهانُ بالكتابِ المقدسِ: الأعمالُ في العهدِ الجديد
إنَّ إرساليةَ المسيحِ للتلاميذِ لم تعتمدْ على اقتباسِ الآياتِ (إذ لم تكنِ الأناجيلُ قد كُتِبَتْ بعدُ في مُعظمِها)، بل اعتمدتْ على الأعمالِ.
استشهدَ القديسُ متَّى بالنبواتِ لأنَّهُ كانَ يكتبُ لليهودِ، ولم تكنْ هذهِ الاستشهاداتُ بديلاً للآياتِ، بل إضافةً تعضيديَّةً لشهادةِ الآياتِ. يُؤكِّدُ سِفرُ العبرانيينَ هذهِ النقطةَ عندَ الحديثِ عن الشهادةِ الإلهية: "شَاهِدًا اللهُ مَعَهُمْ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَمَوَاهِبِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، حَسَبَ إِرَادَتِهِ." (عب 2: 4).
وفي إنجيل مرقس: "وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ. آمِينَ." (مر 16: 20).

 

تحليلٌ تاريخيٌّ: سببُ غيابِ إظهاراتِ القوة
لماذا خَلَتْ كرازتُنا اليومَ من هذا الظهورِ للقوَّة؟ فمواهبُ الروحِ القدسِ وإظهاراتُ القوَّةِ انحصرتْ في بعضِ الأديرةِ أو في بعضِ القديسينَ، ولم تَعُدْ عامَّةً.
أريد أن أشارككم تفسيرًا تاريخيًّا لهذهِ الظاهرةِ (أنَّهُ تحليلٌ شخصيٌّ، إذا لم يوافقك فإنساه):
ظلَّتِ الكنيسةُ قويةً وصامدةً حتى في مواجهةِ الهرطقاتِ العاصفةِ (مثل الآريوسيةِ والنسطوريةِ وبقيه الهرطقات). ولكنْ، عندما دخلَ الإمبراطورُ قسطنطينُ إلى الكنيسةِ، ورغمَ أنَّهُ لم يتدخَّلْ في شرحِ اللاهوتِ بل أيَّدَ ما اتَّفقُوا عليهِ، فإنَّ دخولَ العالمِ بهذهِ الصيغِ هو الذي أدَّى إلى انحسارِ القوةِ والضعفِ اللاحقِ.
الملابسُ الكهنوتيةُ الفخمةُ: الرداءُ الذي بلا أكمامٍ هو في الأصلِ لِباسُ الأباطرةِ، حيثُ ألبسَ قسطنطينُ الأساقفةَ ملابسَ الأباطرة. والنتيجةُ: دخولُ الكبرياءِ وروحِ العالمِ إلى الكنيسةِ الذي أدَّى إلى الانقسامِ.
أولُ انقسامٍ حدثَ في مجمعِ خلقدونيةَ (عام 451م) هو الذي مهَّدَ للفتحِ العربيِّ وما ترتَّبَ عليهِ من أحداثٍ مؤلمةٍ للكنيسةِ شرقًا وغربًا.
الانشقاقُ الذي حدثَ بينَ الكنيسةِ الأرثوذكسيةِ الملكانيةِ والكنيسةِ الأرثوذكسيةِ اليعقوبيةِ (الأقباطُ وغيرُهم) كانَ مؤلمًا، وأدَّى إلى الضعفِ العامِّ الذي مكَّنَ العدوَّ من أن يأتيَ على الكنيسةِ بالنتائجِ غيرِ المطلوبة التي حدثت.

 

استعادةُ القوةِ: المواهبُ وشروطُ الامتلاء
في فترةٍ تاريخيةٍ، اختُزِلَتْ مواهبُ الروحِ القدسِ وأعمالُ القوةِ في بعضِ القديسينَ وبعضِ الأديرةِ، أو في أعمالِ القوةِ التي تأتي من قبورِ بعضِ القديسين.
الأنبا أبرآم أسقف الفيوم: يشهد عنه الأنبا غريغوريوس أنه كانَ عَرَقُهُ يحملُ قوةَ الصلاةِ، وهي شهادةٌ تُذكِّرُنا بما وردَ في الكتابِ المقدسِ عن:

  • "حَتَّى كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ إِلَى الْمَرْضَى، فَتَزُولُ عَنْهُمُ الأَمْرَاضُ، وَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ." (أع 19: 12).
  • "حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى خَارِجًا فِي الشَّوَارِعِ وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ." (أع 5: 15).

على الرغمِ من أنَّ عملَ الروحِ القدسِ لم يتوقَّفْ أبدًا في الكنيسةِ، إلا أنَّهُ صارَ "غيرَ واضحٍ" في عملِ الرعاةِ والمبشِّرينَ بشكلٍ عام.
النتيجةُ الخطيرةُ: هذا الغيابُ في أعمالِ القوةِ أدَّى إلى غيابِ الشهادةِ لربوبيةِ يسوعَ. فأصبحَ الأمرُ مجرَّدَ كلامٍ، وجدالاتٍ، و"أثبِتْ لي وأُثبِتْ لك"، بينما لو استعادتِ الكنيسةُ سلطانَ ومواهبَ الروحِ القدسِ، لكانتْ المقارنةُ بينَ المسيحِ وغيرِهِ واضحةً للعيان: "أنتَ تتحدَّثُ عن إيمانٍ بلا برهان، وأنا أُحدِّثُكَ عن إيمانٍ برهانُهُ واضحٌ للعيان".
هذا الضعفُ جعلَ الوعظَ مجرَّدَ كلامٍ كثيرٍ دونَ برهانٍ قويٍّ يُثبِّتُ الكلمةَ.
(ملاحظة عابرة: أنَّ الكثيرينَ في أمريكا اليومَ بدأوا يلتفتونَ إلى ملفاتِ الكنيسةِ الأرثوذكسيةِ باعتبارِها الكنيسةَ الأقدمَ والأكثرَ حِفاظًا على الأصول.)

 

شروطُ استعادةِ مواهبِ الروحِ القدس
هل استعادةُ مواهبِ الروحِ القدسِ أمرٌ ممكنٌ؟ الإجابةُ: نعم.
البعض يقولون: "لو أرادَ الربُّ أن يُعطيَني موهبةً سيعطيني"، والذي يبدو تواضعًا! ولكنهُ متناقضٌ مع تعليمِ الكتابِ المقدسِ. فالرسولُ بولسُ يقول: "وَلكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى." (1 كو 12: 31)، أيِ اسعَوا واطلبُوا، وكرِّسُوا أنفسَكم للربِّ.
إنَّ الامتلاءَ بمواهبِ الروحِ القدسِ واستعادةَ قوةِ الشهادةِ في الكنيسةِ يرتكزُ على شرطينِ أساسيينِ (كقضيبَيِ القطارِ)، وذلكَ في تكميلٍ للطاعةِ والالتزامِ بالصلاةِ العميقةِ، وهما:

  • أولًا: الصلاةُ المستمرةُ والسؤالُ العميق: يُعطي الآبُ الذي في السماءِ الروحَ القدسَ للذينَ يسألونَهُ "يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ؟" (لو 11: 13). المقصودُ ليسَ مجردَ التكرارِ اللفظيِّ، بل الأوقاتُ الدافئةُ العميقةُ التي يدخلُ فيها الشخص إلى حِضنِ المسيحِ، فتحدُثُ حالةُ الاتحادِ وقبولِ نعمةِ المسيحِ وقوةِ الروحِ القدس.
  • ثانيًا: الطاعةُ والتكميلُ: يُعطِي اللهُ الروحَ القدسَ للذينَ يُطيعونَهُ "وَالرُّوحُ الْقُدُسُ أَيْضًا، الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُطِيعُونَهُ." (أع 5: 32). فكما أنَّ القطارَ يسيرُ على شريطينِ، لا يمكنُ الامتلاءُ بالقوةِ ما لم يُكمَّلْ شرطُ الطاعةِ الكاملةِ لمشيئةِ اللهِ، مُكمِّلاً بذلكَ شرطَ الصلاةِ المستمرةِ الدافئة العميقة.

إنَّ كلمةَ أبونا متَّى المسكينِ بعدَ سنواتِ خبرتِهِ الطويلةِ هي شهادةٌ حيَّةٌ على الارتباطِ الوثيقِ بينَ الإلحاحِ في الصلاةِ الدائمةِ والامتلاءِ بالروحِ القدسِ: قد قال: "قد علمت لماذا أوصانا الرب أن نصلي كل حين؛ لأنه يريد أن يعطي الروح القدس كل حين". الارتباطُ الوثيقُ بينَ الصلاةِ المُستمرَّةِ (صلُّوا كلَّ حينٍ) وانسكابِ عطيةِ الروحِ القدسِ (يريدُ أنْ يُعطيَ الروحَ القدسَ كلَّ حينٍ).

  • "صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ." (1 تس 5: 17).
  • "وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ،" (لو 18: 1).

هذا الارتباطُ يُؤكِّدُ أنَّ الروحَ القدسَ وعطاءَهُ للمواهبِ ليسَ حدثًا لمرةٍ واحدةٍ، بل هو عطاءٌ مُستمِرٌّ ومتاحٌ لمن يطلبُهُ بانتظامٍ وعُمقٍ، وهو ما ينطبقُ بشكلٍ خاصٍ على الخُدَّامِ الذينَ يسعونَ لحملِ قوَّةِ الروحِ القدسِ.
(لست أتحدث عن صلاة الأم التي تصلي مع أولادها، ولكن أتحدث هنا عن الخدام الذين يريدون أن يحملوا مواهب الروح القدس.)

 

يقينُ الوعدِ الإلهي: أمثلةٌ معاصرة

  • الحركةُ الخمسينيةُ (Pentecostal): في أمريكا سنة 1950، اجتمعَ مُبشِّرونَ في كاليفورنيا وصلَّوا من أجلِ الامتلاءِ بالروحِ القدسِ، وقد كان.
  • الحركةُ الكاريزماتيةُ الكاثوليكيةُ (Charismatic Movement): بدأتْ في أمريكا في مدينةِ آن آربر بولايةِ ميتشيجان، حيثُ اجتمعَ أربعةُ شبابٍ لطلبِ مواهبِ الروحِ القدسِ، وطلبُوا من مُبشِّرينَ ممسوحينَ بالروحِ أن يصلُّوا لأجلِهم.

قاعدةُ الإيمانِ والنموِّ: أكَّدَ أحدُ هؤلاءِ الرجالِ (قد قالبت واحدًا منهم) قاعدةً مهمةً، وذلك عندما قمت بسؤاله: "كيف ينمو الإيمان؟" فقال لي: "الإيمانُ مِثلُ العضلاتِ ينمُو بالتدريب".
إذا أردنا أن يؤمنَ العالمُ بالمسيحِ من جديد، وأن تُستَرَدَّ النفوسُ، وأن تكونَ مسيحيَّتُنا مبرهنةً بشهادةٍ دامغةٍ غيرِ قابلةٍ للمُماحكاتِ، فعلينا أن نَجِدَّ للمواهبِ الروحيةِ عن طريقِ:

  • التكرُّسُ للصلاةِ.
  • تقديسُ الحياةِ للربِّ.

لقد عشت اختبارًا شخصيًّا في اجتماعِ صلاة مع الدكتور نصحي عبد الشهيد، حيثُ كانتِ المشاركاتُ (الشركة) تبدأُ بواحدٍ، ثُمَّ يكملُ الباقونَ. الفكرة هي: كانَ الحضورُ يشعرُ أنَّ شخصًا واحدًا هو الذي يتكلَّمُ في أفواهِ كثيرينَ، بتناغمٍ لا يُوصَف.
هذا يُجسِّدُ عملَ الروحِ القدسِ في الوحدةِ وتحقيقِ وصيةِ المحبةِ مع الاتضاع.
هذهِ الخبرةُ تؤكِّدُ أنَّ عملَ مجموعاتِ الصلاةِ والتكريسِ (الصلاةُ والتوبةُ والاتضاعُ والوحدةُ والمحبةُ) هو المدخلُ لاختبارِ مواهبِ الروحِ القدسِ.

 

مواهبُ الخدمةِ في رسالةِ رومية (التفسيرُ العميق)
يُقدِّم الرسول بولس في رومية 12 قائمة بمواهب الخدمة، مؤكدًا على أن معنى "الخدمة" - "أَمْ خِدْمَةٌ فَفِي الْخِدْمَةِ" (رو 12: 7) - لا يقتصر على الوعظ والتعليم، بل يمتد إلى الأعمال الروحية الباذلة والملموسة.
وتتلخص أهم النقاط في تفسير هذه المواهب كما يلي:

  • التعريف بالخدمة الروحية: الخدمة هنا تعني في جوهرها المحبة الباذلة التي تخدم الآخرين عمليًا، مثل رعاية الجار المريض، أو المساعدة عند إحتياجهم (مثل الإتناء وتنظيف بيت جاري المريض)، أو إطعامهم ومشاركتهم الطعام والشراب (غسل الأرجل). هذه الأعمال المادية هي عَينُ الخدمة الروحية.
  • جوهر الموهبة: الموهبة ليست مجرد القدرة على أداء الفعل (فالجميع يمكنه الخدمة)، لكن الموهبة تعني أن تكون هذه العطية أو الخدمة متدفقة وممسوحة بمحبة الروح القدس في الشخص؛ فالواعظ الموهوب يتحدث بمسحة، والمُعطي الموهوب يمتلئ بمحبة العطاء لدرجة التدفق، والراحِم كذلك.
  • أعمال التدبير (الإدارة): تُعتبر موهبة التدبير (أعوان التدابير أو السكرتارية) موهبة من الروح القدس، حيث يمسح الروح القدس تدبير الشخص لتنسيق وترتيب الأمور بنعمة وإتقان واجتهاد، لضمان تكامل العمل. 

 

شرطُ دوامِ المواهب: المحبةُ والاتضاع
يختتم الرسول بولس هذا السياق بالتأكيد على أن كل هذه المواهب لا يمكن أن تتحقق أو تنجح بدون المحبة والاتضاع، مُشددًا: "اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ، مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ. وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ، مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْكَرَامَةِ." (رو 12: 9-10).
فغياب المحبة والاتضاع يؤدي إلى فوضى وصراع، كما حدث في كنيسة كورنثوس.

 

مواهبُ الروحِ القدسِ (كورنثوس الأولى 12)
يُقسِّمُ الرسولُ بولسُ هذهِ المواهبَ التسعةَ إلى ثلاثِ مجموعاتٍ، مُقدِّمًا مُقدِّمةً مُهمَّةً: "فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ أَعْمَال مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ، الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ. وَلكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ. فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ، وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ، وَلآخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ، وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ. وَلآخَرَ عَمَلُ قُوَّاتٍ، وَلآخَرَ نُبُوَّةٌ، وَلآخَرَ تَمْيِيزُ الأَرْوَاحِ، وَلآخَرَ أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ، وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ. وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ." (1 كو 12: 4-11).
المواهبُ التسعةُ هي:

  1. كلامُ حكمةٍ
  2. كلامُ علمٍ
  3. إيمانٌ
  4. مواهبُ شفاءٍ
  5. عملُ قوَّاتٍ
  6. نبوَّةٌ
  7. تمييزُ أرواحٍ
  8. أنواعُ ألسنةٍ
  9. ترجمةُ ألسنةٍ

المجموعةُ الأولى: مواهبُ الإعلانِ
تبدأ عملية المواهب الروحية الثلاثة، كلام الحكمة وكلام العلم والنبوة، عندما يكرّس المؤمن نفسه بالصلاة، فيأتي الروح القدس بالإظهار الذي يُمثل حالة من الانفتاح الروحي لسماع صوت المسيح والإتيان بالاستنارة. "فَقَالَ: إِلهُ آبَائِنَا انْتَخَبَكَ لِتَعْلَمَ مَشِيئَتَهُ، وَتُبْصِرَ الْبَارَّ، وَتَسْمَعَ صَوْتًا مِنْ فَمِهِ." (أع 22: 14).
ويتخذ هذا النور الإلهي ثلاثة مسارات محددة: المسار الأول هو كلام الحكمة، حيث يقوم الروح القدس، الفاحص لأعماق الله وسرّ التدبير، بكشف هذه الأعماق وسر الثالوث والكلمة مباشرةً إلى ذهن المؤمن، ليجعله عقلًا شاخصًا في النور ومُعلِّمًا للكنيسة يكشف عن أسرار ملكوت السماوات. "لكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ الْكَامِلِينَ، وَلكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هذَا الدَّهْرِ، وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هذَا الدَّهْرِ، الَّذِينَ يُبْطَلُونَ. بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ، الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هذَا الدَّهْرِ، لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ. بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ». فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ." (1 كو 2: 6-10).
المسار الثاني هو كلام العلم، حيث يتجه الإلهام لكشف أعماق النفوس البشرية، وهي موهبة مُخصصة للراعي ليصبح طبيب نفوس؛ فبواسطتها يقوده الروح القدس إلى الكلمة المُعالِجة التي تجعل خفايا القلب ظاهرة وتُبيّن طريقة مُداواتها من الخطايا والضعفات. 
أما المسار الثالث، وهو موهبة النبؤة، فبالإضافة إلى قيامها بوظائف الكشف عن المشيئة وفهم الأعماق، فإنها تتميز بوظيفة الإخبار بـالأمور الآتية "وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ." (يو 16: 13). مما يمنح المؤمن اطلاعًا على خطة الله ومشيئته ترتيبه للمستقبل القريب، لتكون بمثابة إرشاد سماوي لخطواته وتحذيراً له من مكائد إبليس المدبّرة، كما أُعلن للرسل. "فَجَاءَ إِلَيْنَا، وَأَخَذَ مِنْطَقَةَ بُولُسَ، وَرَبَطَ يَدَيْ نَفْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَ: «هذَا يَقُولُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ: الرَّجُلُ الَّذِي لَهُ هذِهِ الْمِنْطَقَةُ، هكَذَا سَيَرْبُطُهُ الْيَهُودُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى أَيْدِي الأُمَمِ». فَلَمَّا سَمِعْنَا هذَا طَلَبْنَا إِلَيْهِ نَحْنُ وَالَّذِينَ مِنَ الْمَكَانِ أَنْ لاَ يَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. فَأَجَابَ بُولُسُ: «مَاذَا تَفْعَلُونَ؟ تَبْكُونَ وَتَكْسِرُونَ قَلْبِي، لأَنِّي مُسْتَعِدٌّ لَيْسَ أَنْ أُرْبَطَ فَقَطْ، بَلْ أَنْ أَمُوتَ أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ لأَجْلِ اسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ»." (أع 21: 11-13).

 

مواهبُ القوات ومواهبُ النطق

مواهبُ النطقِ ومواجهةُ إبليس

تضمُّ هذهِ المجموعةُ (أنواعَ ألسنةٍ، ترجمةَ ألسنةٍ، تمييزَ الأرواحِ) التي ترتبطُ مُباشرةً بالصراعِ الروحي:

  • أنواعُ ألسنةٍ: مُوجَّهةٌ ضدَّ أرواحِ الشرِّ ومملكةِ إبليسَ. هي تعينُ الخدامَ الذينَ لم يَنالُوا مواهبَ العلمِ والفهمِ والنبؤةِ على الهجومِ وطردِ الشياطينِ ومواجهةِ مملكةِ إبليسَ، حيثُ إنَّهم لا يُميِّزونَ أو يَعرفونَ نوعَ الروحِ الشريرِ بشكلٍ مُباشرٍ.
  • ترجمةُ ألسنةٍ: ضروريَّةٌ للمنفعةِ عند اجتماعِ الكنيسةِ. إذا ما صُلِّيَ بالألسنةِ في وسطِ الجماعةِ، يجبُ أن تُترجَمَ وإلا أصبحتْ كلامًا غريبًا لا يستفيدُ منهُ أحدٌ، وحينئذٍ يُطالَبُ صاحبُ الموهبةِ بالصمتِ (كما علَّمَ الرسولُ بولس). 
    "لِذلِكَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ فَلْيُصَلِّ لِكَيْ يُتَرْجِمَ." (1 كو 14: 13).
    "وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَرْجِمٌ فَلْيَصْمُتْ فِي الْكَنِيسَةِ، وَلْيُكَلِّمْ نَفْسَهُ وَاللهَ." (1 كو 14: 28).
  • تمييزُ الأرواحِ: نعمةُ الفهمِ والكشفِ والتجسُّسِ على مملكةِ إبليسَ. هذهِ الموهبةُ تجعلُ الخادمَ يميزُ نوعَ الروحِ الشريرِ الذي يُحاربُ في أيِّ موقفٍ (سواءً كانَ يُحاربُهُ أو يُحاربُ الآخرينَ أو الكنيسة)، ويُصبحُ عارفًا بما يُخطِّطُ لهُ إبليسُ؛ "لأَنَّنَا لاَ نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ." (2 كو 2: 11).

 

مواهب الشفاء وأعمال القوات والإيمان

  • موهبةُ الإيمانِ: الإيمانُ الذي ينقلُ الجبالَ ويعملُ المُعجزاتِ. ليسَ هو الإيمانَ أن الرب يعتني بحياتي وبأسرتي وأولادي، بل هو الإيمانُ الذي يَقومُ بـ المعجزاتِ العظيمةِ (مثلَ قصةِ نقلِ جبلِ المُقطَّم، وقصةِ البابا بطرسِ الجاوليِّ عندَ ارتفاعِ منسوبِ النيل). أهميتُهُ تتجلَّى في تغييرِ مجرى التاريخِ والتحكُّمِ في الأحداث.
  • مواهبُ الشفاءِ: القوةُ الشافيةُ التي تخرجُ من جسدِ المسيحِ (المؤمن). هي امتدادٌ لِما حدثَ معَ المرأةِ نازفةِ الدمِ (حيثُ "قوةٌ خرجتْ مني" وشُفِيَتْ). "فَقَالَ يَسُوعُ: «قَدْ لَمَسَنِي وَاحِدٌ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي»." (لو 8: 46). القوةُ الشافيةُ تتخزَّنُ في روحِ المؤمنِ بالروحِ القدسِ، وتخرجُ في الصلاةِ لتنقلَ قوةَ الشفاءِ إلى المصلَّى لأجلِهم.
  • عملُ القوَّاتِ: المعجزاتُ على مستوى الخلقِ والإقامةِ. هي ذاتُ مواهب الشفاء ولكنْ على مستوى أعظمَ من الشفاءِ؛ كالقيامِ بعملِ إقامةِ الموتَى، أو معجزاتِ الخلقِ (مثلَ خَلْقِ عينَينِ للوليدِ الأعمى من طين)، وهي التي فيها أعمالُ قوةِ اللهِ للخلقِ.

الوحدةُ والاتضاع هما الشرطان اللذان يُحفظُ بهما المواهبَ من الفسادِ والدمارِ: وحدةُ الجماعةِ والمحبةُ والاتضاع.

 

وحدةُ الجماعةِ وشرطُ الحلولِ الإلهي
وحدةُ الجماعةِ هي محكُّ الوحدةِ والمحبةِ. الجماعةُ (نواةُ الكنيسة) التي يُحبُّ أعضاؤها بعضَهم، ويتواضعونَ ويخضعونَ لبعضِهم، هي التي يَحلُّ المسيحُ فيها ويُحقِّقُ وعدَهُ: "أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي." (يو 17: 23).
خطرُ الكبرياء: العكسُ صحيحٌ؛ الكبرياءُ والارتفاعُ يُدمِّرانِ الوحدةَ ويُحزنانِ الروحَ القدسَ، ممَّا يؤدِّي إلى انقساماتٍ (كما حدثَ تاريخيًا في القرنِ الخامس).

 

التحذيرُ من المحبةِ الزائفة
الرسولُ بولسُ يدعو إلى: "مهتمِّينَ بعضُكم لبعضٍ اهتمامًا واحدًا. غيرَ مهتمِّينَ بالأُمورِ العاليةِ" (ليسَ المقصودُ المواهبَ، بل الرياسةَ والكبرياء) "بل مُنقادينَ إلى المُتَّضعينَ" 
"مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اهْتِمَامًا وَاحِدًا، غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِالأُمُورِ الْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِينَ. لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ." (رو 12: 16).
يُحذِّرُ: "فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا." (غل 5: 15).

 

المحبةُ أولًا
المواهبَ بدونِ محبةٍ لا قيمةَ لها:
"وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ، وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ، وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلَسْتُ شَيْئًا." (1 كو 13: 2).
بل إنَّ غيابَ المحبةِ يؤدِّي إلى ابتعادِ النعمةِ، ووقوعِ المؤمنِ تحتَ شكوى الشريرِ.

 

دعوةٌ للاستعادة
أدعوكم بنعمة المسيح لأن تستعيدوا مواهب الروح القدس. وأن تكونوا جماعات مسيحية مقدسة، متضعة بالمحبة. وتطلبوا عمل الروح القدس. ومارسوا خدمة المواهب مع بعض كجماعة، لكي لا يدخل الشر والخطية والكبرياء.
الرب يستعيد ويسترد كنيسته ويستردكم إلى نعمة مواهب الروح القدس. ويتحقق في حياتكم جميعاً وعد المسيح وبرهان المسيح القائل: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا، لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي." (يو 14: 12).
وتذكروا أن برهان بلا إيمان هو إيمان غير مبني على الصخر. وأن بشارة على غير أساس، هي بشارة غير مُبرهَنة بأعمال المسيح وسلطانه.
أما الآن فلتكن محبة الله الآب، ونعمة الابن الوحيد يسوع المسيح ربنا، وقوة شركة وفرح الروح القدس، تكون وتدوم مع جميعكم في المسيح يسوع. آمين.

 

عنوان المحاضرة القادمة "العشاء الأخير"

Powered By GSTV