لاهوت العهد الجديد (۲۲) | بين العهدين
Nov 02, 2025 4
980 79

لاهوت العهد الجديد (۲۲) | بين العهدين

من بين الذين يتابعونني، لم يُصغِ البعض جيّدًا ليفهم كلامي عن العهد القديم: "لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ، كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ." (رو ١٥: ٤)؛ فذلك من خلال متابعة أعمال محبّة الله وعنايته بقدّيسيه، ومن عبرة التاريخ والأحداث.

"وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ." (٢ بط ١: ١٩). اعتاد البعض قراءة هذا النص مُبتورًا ومُجتزأ؛ لأن النصف الأخير من الآية يُميز بين الكلمة النبوية كسِراجٍ منير، وبين كلمة الله ـ ابن الآب ـ النازل من السماء، كوكب الصبح المنير وشمس النهار.

الكلام هنا ليس عن العهد القديم الذي يضم التوراة وتاريخ ملوك اليهود، بل عن الكلمة النبوية: "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." (٢ بط ١: ٢١)؛ وهذه الكلمة النبوية هي التي قال عنها الرب يسوع المسيح: "فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ." (مت ٥: ١٨). فكلمة "النَّاموس" كانت تُطلَق على أسفار موسى النبي الخمسة (التوراة)، وأيضًا على كل كتب التوراة والأنبياء والمزامير... إلخ، مثلما نُطلق اليوم كلمة "الإنجيل" على كل كتب العهد الجديد.

ومن هنا، فإن المسيح له المجد لم يقتبس من الناموس الذي قال: تُحبُّ قريبك وتُبغض عدوك (تث ٢٠)، بل قال عنه: "قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ"... و"أمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ" (مت ٥: ٢١، ٢٧، ٣١، ٣٣، ٣٨، ٤٣). فهو اقتبس من الكلمة النبوية ما هو صالح وجيّد ومُعلِّم في تاريخ الأنبياء، ولم يقتبس عشوائيًّا كما يفعل بعض غير الدارسين منا اليوم، فالكلمة النبوية ليست مقصورة على أسفار الأنبياء، بل هي منتشرة على لسان رجال الله القديسين في كتب العهد القديم. فالعهد القديم لا غنى عنه كخلفيّة للعهد الجديد؛ فكيف لي أن أفهم نعمة العهد الجديد، إن لم يكن العهد القديم قد شرح لي تكوين العالم والخليقة وسقوط الإنسان، وكيف كان حال البشريّة "الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ..." (لو 1: 79).

هذا هو الفارق الجوهري بين القديم والجديد: أن القديم يتعامل مع بشرية تحت الموت ويصف واقعها المهزوم، لكن وسط هذه العتمة الكثيفة يلمع بريق نبوات الأنبياء عن المسيح؛ أمّا العهد الجديد ففيه قد أشرق النور الحقيقي فينا ومن حولنا، وصرنا نقيم في النعمة والفرح وقوة القيامة.

أما عن النص (٢ تي ٣: ١٦) الذي كُتب في ترجمة الملك جيمس، ونقلت عنه ترجمة فاندايك بالعربية: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ"، فللأسف، عندما راجعته في الأصل اليوناني وجدته:
"πασα γραφη θεοπνευστος και ωφελιμος προς διδασκαλιαν προς ελεγμον προς επανορθωσιν προς παιδειαν την εν δικαιοσυνη" (2Ti 3:16)،
الذي كتب في ترجمة بين السطور بالعربية: "كل كتاب موحى به من الله نافع"، وليس "كل الكتاب". كما ترجمته كذلك الترجمة الأمريكية (American Standard Version): 
"Every scripture inspired of God is also profitable for teaching, for reproof, for correction, for instruction which is in righteousness."  (2 Timothy 3:16)

أمّا بعض قادة حركة الإصلاح الذين علَّموا بالمساواة بين وحي العهد القديم (الكلمة النبوية) ووحي العهد الجديد، فقد فاتهم أنّ وحي العهد الجديد هو كلمة الآب الذي نزل من السماء نفسه؛ ذاك الذي قال عن نفسه أنه: "... رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا." (مت ١٢: ٨). ولو كان ما كُتب في ناموس موسى هو أقوال الآب السماوي، وليس تشريع موسى النبي، لما كان ممكنًا أن يُغيِّر الابن القدوس كلمات أبيه!

لذلك، ينبغي أن تكون قراءة المسيحي للعهد القديم من خلال "مصفاة" و"فلتر" العهد الجديد؛ فلا يليق بتلاميذ المسيح وعهده الجديد أن يقرأوا العهد القديم كما يقرؤه اليهودي، أي بدون نور العهد الجديد.

 

بنسلفانيا – أمريكا

 ۲ نوفمبر ۲۰۲٥

 

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي:

https://anbamaximus.org/articles/NewTestamentTheology

Powered By GSTV