لاهوت العهد الجديد (٩) | الْأَبْيُونِيَّةُ بدعةٌ يهوديّةٌ:
Aug 03, 2025 5
980 79

لاهوت العهد الجديد (٩) | الْأَبْيُونِيَّةُ بدعةٌ يهوديّةٌ:

محاولةُ البعضِ تخفيضَ المسيحيّةِ إلى حدودِ اليهوديةِ هي محاولةٌ يائسةٌ بائسةٌ لم تفهم ولم تستوعب فلسفةَ المسيحيةِ. فلو كانت المسيحيّةُ مثلَ اليهوديةِ، لكان إلهُها يأمرُ رعيّتَهُ ومؤمنيه بقتلِ الرجالِ وسبيِ النساءِ والأطفالِ للاستيلاءِ على الأرض! ويعدهم بالاستيلاءِ على أراضي المصريين والآشوريين، ليمدّد مملكتهم من النيل إلى الفرات!
هذا النوعُ من الإيمانِ كان مناسبًا ومُقنعًا لبشرٍ عاشوا حياةَ العبوديةِ واستعبادِ الآخرين، ولم يعُد مُقنعًا لإنسانِ العصرِ: الذي رفضَ الظلمَ والتجويعَ وتشريدَ الفلسطينيين وهدمَ منازلهم. وقد فقدت إسرائيلُ، على أيدي قادتها من اليمين المتطرّف، كل زخمِ التأييدِ الذي حظيت به في القرن الماضي على أكتافِ المسيحيةِ الصهيونيةِ وخداع المسيحيين باسم وحدة الكتاب المقدس واتفاقية التآخي بين اليهودية والمسيحية في أميركا.

المُثيرُ للشفقةِ حقًّا هو محاولةُ تصويرِ البعضِ أن طائفةَ الأبيونيين اليهوديةِ هي المسيحيةُ الأصليّة، لأنها آمنت أنّ يسوعَ المسيح كان إنسانًا نبيًّا وليس كلمةَ الله المتجسّد؛ فلو كان نبيًّا كموسى النبي، لكان قد سبى النساءَ والأطفال (تث ٢٠)، ولم يكن ليقوى على أن يُعلّم: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،" (مت 5: 44).

فكيف يقدر نبيٌّ أن يجعل أتباعَهُ ورسلَهُ يستعذبون الموتَ من أجل قاتليهم ومعذّبيهم، ما لم يكن قد نجح في أن يُغيّر واقع البشريّة من همجيّة الكراهية وسبي النساء إلى محبّة الأعداء، وقد جعلهم. أبناءً لله؟! مرتقيًا بإنسانيتهم إلى مستوى أبناء الله، وجعلهم مُحبّين لبعضهم وللآخرين كأبناء لله. فإذا لم يكن هو نفسه ابن الله ونوره وكلمته، فكيف استطاع أن يهب للآخرين النور الذي غيّر حياتهم وجدد إنسانيتهم إلى مستوى محبة الأعداء والمسيئين؟
وإذا كان المسيحُ إنسانًا نبيًّا كموسى النبي، فلماذا لم يكن موسى نفسه وتوراته كافيين؟ ما الحاجة إلى تكرار موسى بيسوع؟!
إن جوهرَ المسيحية: أن الآب السماوي أراد أن يُغيّر واقع البشرية المتردّي إلى الاشتراك في حياة النور والفرح الإلهيين، فأرسل ابنَهُ، أي نورَهُ الحقيقي، لينير به حياة الناس، وينقلهم من ظلمة الكراهية إلى السلام والمحبّة، وأن يصير تجسّد نوره في المسيح واسطة نقلِ نورهِ إلى باقي البشر: "كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ." (يو 1: 9).
القديس إيريناوس أسقف ليون، الذي عاش قبل مجمع نيقية بقرنين من الزمان، كتب عن الأبيونيين كواحدةٍ من البدع التي رفضتها المسيحية منذ بدايتها، وليس مجمع نيقية هو الذي ابتدع عقيدة تجسّد النور الأزلي في شخص المسيح.
الرهان على بدعةٍ يهوديةٍ حرّمتها الكنيسة منذ بداياتها مثل الأبْيونيّة: رهانٌ فاشلٌ وتلفيقٌ وتدليسٌ خاسرٌ تاريخيًّا. وليس إنجيل متى في نُسختهِ اليونانية هو فقط من شهد للاهوت المسيح، بل إنجيل مرقس تلميذ ومترجم الرسول بطرس، وإنجيل لوقا نقلاً عن العذراء مريم، وإنجيل يوحنا تلميذ المسيح؛ جميعهم شهدوا للاهوت المسيح أنه كلمةُ الله المتجسّد، قبل اهتداء بولس الرسول إلى المسيحية، وقبل مجمع نيقية.

بنسلفانيا – أمريكا
٢ أغسطس ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/NewTestamentTheology

Powered By GSTV