كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة الرابعة | الحياة قد أظهرت - الكلمة صار جسدا
May 07, 2025 4
980 79

كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة الرابعة | الحياة قد أظهرت - الكلمة صار جسدا

التجسد فى القصد الإلهى:

  • الله لا يوجد عنده أفعال "أمس واليوم وغدًا"، ماضي وحاضر ومستقبل، ولا يوجد عنده كلمة "سأفعل". ولكن ما دام الله يقصد - و كلمة "يقصد" بدلا من كلمة "يفكر" في استخدامنا الإنساني - فقصده حادث، وحادث أمامه بطريقة حاضرة و آنية، لا يوجد ماضي ومستقبل لأن الله موجود في حاضر دائم، وما يقصده هو حادث: التعبير البشري الذى شرحه الإنسان أو فهمه: "قال: كن فكان"، وهكذا شرحه سفر التكوين: "وقال الله ليكن فكان": "وَقَالَ اللهُ: لِيَكُنْ نُورٌ، فَكَانَ نُورٌ." (تك 1: 3): لاحظ أن شرح سفر التكوين فيه أفعال ماضي وحاضر ومستقبل: فيه "قال كن"، وبعد ما قال "كن"، "كان". طبعًا، ما دام قد قصد، فما يقصده يصير حاضرًا وكائنًا بطريقة أبدية ودائمة، لأنه هو أبدي ودائم.
  • والسؤال الآن: هل كان التجسد حاضرًا في قصد الله؟ أم أنه - بحسب النظريات الغربية التى انحدرت إلينا ونقلتها الإرساليات - كان مفاجأة لله؟! فهو قد فوجئ بأن الإنسان أخطأ؛ ومن ثم بدأ يبحث عن حل لمشكلة سقوط الإنسان؟ وبالطبع سوف يكون الحل قائم على فهم الإنسان لإله الشريعة - إله العهد القديم، الذى يفرض العقوبة بسبب الخطية، فمادام هناك خطية فلابد من عقوبة للخطية. وسوف يعتمد الحل أيضا على فهم منحرف لآية الرسالة إلى العبرانيين: "بدون سفك دم لا تحدث مغفرة"؛ وبالقطع هذا النص في الرسالة للعبرانيين يشرح ماذا كان يحدث في خيمة الاجتماع، أى أنه يشرح ما كان حادثًا في العهد القديم ولا يقر قانونا محددا قد وضع من قبل الله لمواجهة خطية الإنسان! "وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!" (عب 9: 22).
  • و الإجابة على السؤال هى بالقطع نعم كان التجسد أساسيا في قصد الله وذلك لأن الابن المتجسد كان هو الصورة التى عليها خلق الإنسان: ومن هنا فإن يسوع المسيح هو "بداءة خليقة الله"، هو "بكر كل خليقة"، فكان التجسد أولا: فقد اتخذ الإبن جسدًا أولًا في قصد الله، الحاضر الدائم، وعلى صورة الله، الذى هو الابن المتجسد، خلق الإنسان، لأنه "نخلق الإنسان على صورتنا"، "وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»." (تك 1: 26).
  • الإنسان ليس "صورة الله"، ولكن صورة الله هو الابن يسوع المسيح الذى خلق عليه الإنسان، فصورة التجسد كانت هي البداءة اللي على أساسها خلق الإنسان، وأيضا اشتركنا نحن في الكلمة بالتجسد: كل هذا كان حاضرًا في قصد الله: رسالة تيموثاوس الثانية، الإصحاح الأول، العدد ٩: "والذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا" - خلي بال حضرتك بقي - "بل بمقتضى القصد والنعمة، القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية". "الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ،" (2 تي 1: 9).: هي أُعطيت لنا قبل الأزمنة الأزلية"، بمعنى أننى نلت نصيبًا معينًا سابقًا، أنا وأنت، قبل ما أولد، و هذا طبعًا بموجب القصد وبموجب الدعوة.

التجسد قد أظهر:

  • لماذا حينما يتكلم يوحنا الإنجيلي عن التجسد يقول: "الحياة أُظهرت"؟ لماذا نصلي في القداس ونقول: "ظهرت لنا نحن الجلوس في الظلمة وظلال الموت"؟ لأنه كان موجودا، فالتجسد كان موجودًا، وهو كان موجود، وكل هذا أُظهر لنا، ونحن نلنا نصيبًا معينا سابقًا حسب القصد والنعمة وأقول: "وإنما أُظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح، الذي أبطل الموت، وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل". "وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ." (2 تي 1: 10).
  • ومن هنا تأتي الإجابة على السؤال المهم  في الإنجيل: "الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ،" (2 تي 1: 9). فكل ذلك لأن وجودي ليس بحسب الوعي الإنساني مرتبط بتاريخ ميلادي، بل مرتبط قبل تاريخ ميلادي، بالقصد الإلهى.
  • إذن الإنسان – آدم وأنا وأنت - خُلق على صورة يسوع المسيح،أنا خُلقت على صورة يسوع المسيح، لكن هل أنا كنت على صورة يسوع المسيح؟ هل كانت صورة يسوع المسيح محققة فيّ ومحققة في آدم؟ الإجابة لا. إذن، فأنا كنت مخلوقًا على صورة يسوع المسيح وينبغي أن أبلغ صورة يسوع المسيح، ليس بالخلق فقط، ولكن بالقصد وبحرية الإرادة. و هذا معناه أن المسافة هنا التى كانت بين الحقيقة والواقع، كانت هي حرية إرادتي واختياري أن أختار، أن أكون في صورة يسوع المسيح، أن أختار بحرية إرادتي أن أبلغ هذه الصورة.

حتمية التجسد:

  • هل كان الإنسان الأول - آدم - عنده الروح القدس؟ طبعًا، بحسب شرح كل الآباء للنص "نفخ في أنف آدم نسمة حياة"، "وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً." (تك 2: 7): كل الآباء باستثناء أوريجانوس: فقد اعتبر أن هذه النفخة في أنف آدم هى  الروح الإنسانية، لكن باسيليوس وغريغوريوس وأثناسيوس، كل هؤلاء أقروا  إن هذه النفخة هي الروح القدس وقد ذهبوا إلى النص في تكوين ٦: "لا يدوم روحي بعد في الإنسان"،و في البيروتية مكتوب: "لا يدين روحي في الإنسان". "فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً»." (تك 6: 3): و معناها: "لا يسكن" أو لا يدوم! فهل كان عند الإنسان الروح القدس؟ طبعًا كان عنده الروح القدس، وكان مخلوقًا على صورة يسوع المسيح، كان باق له أنه يختار أن يكون على صورة يسوع المسيح!
  • عندما سقط الإنسان، قد فارقه الروح القدس! والسؤال هنا: إذ كان الإنسان في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة، وإذ كان الإنسان على صورة الابن لم يثبت في الصورة، ماذا كان ينقصه؟  النعمة كانت تنقصه. وماهى النعمة؟ هي قداسة يسوع المسيح،هي اتحاد اللاهوت بالناسوت، اتحاد الابن بالبشرية. هذه هى النعمة! كان ينقصه قداسة يسوع، كان ينقصه طاعة يسوع، كان ينقصه غلبة يسوع. و لذلك لم يقو على مواجهة الشيطان و غلبته!! و هذه هي النعمة، هي اتحاد الكلمة بالطبيعة الإنسانية، بالطبيعة البشرية، وإدانته للخطية: دان الخطية في الجسد، غلبته على الشرير، طاعته، ثبوته في طاعة الآب، كل ذلك قد تحقق في يسوع، لم يكن متاحا عند الإنسان بالإرادة المحضة، ولذلك قد سقط وأخذه  الشرير من الشخوص في الكلمة إلى الشخوص في الماديات، إلى الصورة التى نعرفها كلنا وقد نشأنا و ربونا عليها ووجدناها هى الصورة الواقعية وتعلمنا أن هذا ما خلقنا عليه!!!

كيف تجسد الكلمة؟:

  • مما سبق، هل كان ينبغي أن الابن يتخذ جسدًا ليكون جسده الخاص؟ ما معنى جسده الخاص؟ هل الابن الذى هو نور الآب اللانهائي كان في القبر حينما دخل يسوع المسيح القبر؟ و من كان يضبط العالم وقتئذ؟ هل معنى التجسد أن الإبن أو النور اللانهائى غير المحدود قد انضغط و انحسر داخل الجسد الإنسانى المحدود؟ بالقطع هذه صورة طفولية ساذجة، لكن الصورة بحسب الإنجيل: "ظهر في الجسد"، "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ." (1 تي 3: 16).
  • ماذا يعني ظهر في الجسد ؟ كيف؟ و كيف صار هذا الجسد جسده الشخصي؟ الإجابة التي اتفق عليها الآباء، من خلال النزاع التاريخي مع الأريوسية ومع النسطورية، هي أن الإبن الكلمة قد قام مقام الشخصية في يسوع المسيح: فهو اتخذ جسدًا، ففى النسخ القبطية تمت هذه الاضافة للتوضيح والتأكيد "آف تشي ساركس": "آف" ( آ: بمعنى هو و الفاي هنا ضمير الغائب) و "تشي" اتخذ و "ساركس" جسد، إف تشي ساركس. و تم أيضا اضافة "اووه آفئير رومي" بسبب بدعة أبوليناريوس، و معناها  "تأنس".
  • و على ذلك يكون تعبير "آفتشى ساركس" "اتخذ جسدا" هو بمثابة توضيح لتعبير القديس أثناسيوس: "جسده الخاص"، و كلمة "اتخذ" تؤكد انه حدث "اتحاد" و هذا الاتحاد مشار إليه في إبصالية يوم الاثنين، وهى منسوبة للقديس كيرلس بحسب تقليد الكنيسة الأرثوذكسية : "السلام لمعمل الاتحاد الإلهي الذي أتت فيه الطبائع (جمع طبيعة) المختلفة إلى اتحاد":  فالابن - أقنوم الابن - اتخذ جسدًا.
  • كيف اتخذ جسدًا وصار جسده الخاص؟ الاجابة بمنتهى الوضوح أن الكلمة قام مقام الشخصية في المسيح. و هل معنى ذلك أنه كان عنده شخصيتين؟ بالقطع لا، لم يكن عنده شخصيتين بل كان عنده طبيعتين، و هذه هى تعبيرات الآباء التى انتهى إليها النزاع اللاهوتي: و هذا سوف يقودنا إلى الخلاف اللاهوتى الذى حدث في مجمع خلقيدونية: الجدير بالذكر أن أستاذي الأنبا غريغوريوس- و هو إمام المتشددين في موضوع الطبيعتين – قد حضر مؤتمر  جنيف أغسطس ١٩٧٠م ، بتكليف من البابا كيرلس السادس، و هذا المؤتمر كان منعقدا بين الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية واللاخلقيدونية، و قد كان الرجل عالما في اللغة اليونانية ( حاصل على الدكتوراه في اليونانية "الأثر المتبادل بين القبطية واليونانية")، و قد كتب تقريرًا للبابا كيرلس السادس (نشرته الأستاذة إيريس حبيب المصري في الجزء الأخير من قصة الكنيسة القبطية بعنوان "فترة من البهاء") قال إنه قد تم التباحث الدقيق بين الأطراف ووجدنا أن الخلاف لفظي!!
  • ظهرت المشكلة عندما قال القديس كيرلس عمود الدين: "طبيعة واحدة من طبيعتين للكلمة المتجسد" و قد أصر على هذا التعبير و هذه الصياغة لأن نسطور قال تعبيرين في منتهى الخطورة: الأول إن المصاحبة بين الكلمة الابن وبين يسوع المسيح كانت مثل الثوب يُلبس ويُخلع، ومثل مرور الماء في الأنبوب (لاحظ هنا أن نسطور ينكر الاتحاد تماما - لا يوجد اتحاد، ففكرة الاتحاد غير واردة، بل بالعكس هو ضدها تماما). الثانى و هو الأخطر: أن الابن الكلمة حلّ على يسوع في نهر الأردن وقت معموديته و فارق يسوع وقت الصلب و تركه يصلب لأنه من المستحيل أن يصلب الابن (لاحظ أنه من هذا التعليم الذى نادى به نسطور ظهرفكرة أن المسيح لم يُصلب، لما جاء وقت الصلب، وهى مستمرة حتى اليوم) وهنا ردّ عليه القديس كيرلس عمود الدين عليه بتشبيه الحديد المحمي بالنار، وأننا حينما نطرق الحديد المحمي بالنار، فإن الطرق يقع على الحديد ولا يقع على النار.
  • الآن قد انتهينا أن الخلقيدونيين قالوا "طبيعتين متحدتين في أقنوم واحد"، واللاخلقيدونيين قالوا "طبيعة واحدة من طبيعتين"، وهو خلاف لفظي محض، لذلك نستطيع أن نقول أنه للإبن المتجسد  كان يملك شخصية واحدة تقود هذا الإنسان، الابن المتجسد، ولكن كان فيه طبيعتين، ولذلك كان دور الطبيعة الثانية: "لتكن لا إرادتي، بل إرادتك". "قَائِلًا: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ»." (لو 22: 42): هل الطبيعة الإنسانية كانت تحت الرهبة، والحزن، والخوف، والرغبة في النجاة من الصليب؟ نعم بالقطع: "إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك"،  "قَائِلًا: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ»." (لو 22: 42): إذًا الطبيعة الإنسانية كان لها كل ملامح الطبيعة الإنسانية التى لنا: تتعب وتحزن وتكتئب وكل المشاعر الإنسانية، وكانت مُخضعة للذي يقود الشخصية في الابن المتجسد، وهو الابن، الكلمة، مُخضعة خضوعًا كاملًا له.
  • إذًا، هل كان فيه إرادتين؟ نعم: "لتكن لا إرادتي، بل إرادتك"، لا مطالب طبيعتي، بل طبيعتك، ولكن "لتكن لا إرادتي، بل إرادتك" "قَائِلًا: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ»." (لو 22: 42) ."الذي في أيام جسده قدم بصراخ ودموع طلبات للقادر أن يخلصه من الموت، وسُمع له لأجل تقواه". "الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ،" (عب 5: 7).
  • هل تستطيع أن ترى الآن هذا الحوار داخل الطبيعتين؟ هل سُمع له؟ نعم، قد سمع له! و كيف سُمع له؟ لأجل تقواه خلصه من الموت بالقيامة: فالصراخ كان من مواجهة الموت، تماما مثل تلويث شخص فى قمة النظافة و الأناقة باستخدام مسستنقع قاذورات و هذا يعني أن الموت بالنسبة لهذا الشاب الوديع الجميل المبشر الذى اسمه يسوع - الذى كان متحدا بالكلمة - كان شيئا مروعا  فظيعا لا يمكن تصوره!!

التجسد و الخلاص:

  • مماسبق نستطيع أن نذهب إلى ملخص محدد للنزاع الأريوسي، الخلقيدوني، النسطوري، قد أقره الآباء و هذا الملخص هو تعبير دقيق اعتمده آباء الكنيسة: "الخلاص هو الاتحاد بالكلمة" و قد أضاف القديس غريغوريوس النزينزي "أن ما لم يتحد بالكلمة لم يخلص"، و قد قالها في معرض حديثه  أثناء مواجهة أبوليناريوس الذى قال إن المسيح لم يكن عنده روح إنسانية وهي سبب إضافة كلمة "وتأنس"(أووه آفئير رومي)،  فغريغوريوس النزينزي يقول: "إذا كان المسيح لم يكن عنده روح إنسانية، فروح الإنسان لم تخلص"، ومن هنا وضعت هذه القاعدة: "ما لم يتحد بالكلمة لم يخلص".
  • بالقطع سوف نجد هنا الاختلاف الجذرى بين التعليم الشرقى عن الخلاص و بين التعليم الغربى الذى تبنى نظرية أنسلم و سارت كنائس عدة على نفس النهج، وهى أن معنى الخلاص أن جسد المسيح هو الذبيحة والفدية اللي قُدمت لله الآب!! و هذا التعليم لم يناد به لوثر، لأنه كان قارئًا وتلميذًا لأثناسيوس، وسار على منهجه و هو أن الذى قدم الخلاص للطبيعة الإنسانية هو الكلمة الذي اتخذ جسدًا، واتحاد الجسد بالكلمة هو الخلاص.

الاختيار و الرذل:

  • لقد تحدثنا عن آدم أنه خلق على صورة يسوع المسيح، على صورة الله، وأنه لم يبلغ إلى صورة الله، لأن عنصر الإرادة كان غائبًا، الإرادة لم تبلغ الاختيار الذى يوصلها لتلك للصورة. و السؤال هنا كيف دخلت أنا الإنسان  في هذا الاختيار؟ الاجابة بمنتهى البساطة بالقصد والنعمة!  وصار لنا نصيب معينين سابقًا، تعيّنت بناءً على إي معيار؟ تعيّنت بناءً على الاختيار."الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ،" (2 تي 1: 9).
  • طبعًا، كلمة "الاختيار" يتم شرحها و فهمها بطريقة مؤسفة، وهى أن الله عنده اختيار ورذل: أناس قد اختارها وأناس لم يختارهم، ومن المعروف تاريخيا أن  أن جون كالفن هو من نادى بتلك النظرية، وإن كانت موجودة قبل كالفن و لكى نشرح معنى الاختيار دون التباس لأنه أذا كنا ننادى أن الاختيار الذي بحسب علم الله الآب السابق فكيف يكون كذلك و لماذا أختارك أنت و لم يختر الآخر؟
  • لابد من توضيح الفارق الكبير بين نوعين من "الاختيار" : الاول هو عندما اقوم باختيار حبات الفاكهة الناضجة دون الحبات الرديئة و الثانى هو اختيار العروس، فهو نوع يختلف تماما عن الأول لأنه من المستحيل أن اختار العروس لإبنى مثلا دون أن تكون هى قد اختارته أيضا بينما اختيارى لحبات الفاكهة يعتمد على رايي و حريتى فى الشراء فقط دون أن آخذ رأى حبات الفاكهة لأننى هنا أتعامل مع الجمادات و لكن فى النوع الثانى نحن بصدد اختيار عاقل لا يتحقق إلا بارادة الطرفين.
  • بهذا الشكل صار الاختيار المسبق من جانب الله، فسبق علمه قد تأسس على أنه كان يعرف أنني سأختار بإرادتي أن أكون لابنه يسوع المسيح، ومن ثم، في سبق علمه، جعلني مختارًا ومعينًا، ونلت نصيبًا فيه أى في يسوع المسيح. ولنا نموذج واضح سوف يجيبنا بطريقة قاطعة على مبدأ الاختيار، و هذا النموذج هو يهوذا: "ألستم اثنا عشر، اخترتكم وواحد منكم شيطان". "أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ أَنِّي أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، الاثْنَيْ عَشَرَ؟ وَوَاحِدٌ مِنْكُمْ شَيْطَانٌ!»" (يو 6: 70): لماذا أخترته يا يسوع وهو شيطان؟ شيطان و سوف يبيعك ويخونك،  لماذا بتختاره؟ هذه هى محبة الله: قد اعطى له الفرصة كاملة واختاره بين تلاميذه، رغم علمه المسبق أن يهوذا لن يثبت في الاختيار، ولذلك نجد في القداس الكيرلسي ملاحظة جميلة ليست موجودة في الإنجيل، وهي أنه لما جاء يهوذا وقال لهم: "الذي أقبّله"، "وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلًا: «الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ، وَامْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ»." (مر 14: 44): يقال في القداس الكيرلسي "فجذبه إليه وقبّله بقبلة المحبة" (الرب يسوع يجذب يهوذا إليه) أى أنه وهو يخونه ويبعه ويسلمه، مازال يحاول معه لاسترداده من براثن إبليس و الموت!!
  • فنموذج يهوذا يجسد لنا معنى حرية الاختيار: فسبق علمه أنه يعرف أن ذلك الإنسان  لن يبقى من  العروس! لن يكون من العروس ولكن لديه فرصة أن يصير من "شعوب المخلصين"  لتمشي شعوب المخلصين بنورها: أى أن الدعوة أن أكون من العروس هى دعوة موجهة لكل البشرية، ولكن لن يكون الكل من العروس و هذا ليس حكما من الله و اختيار منه و لكن هو نتيجة حتمية لاختيارات الانسان و هذة النهاية يعلمها الله بسبق علمه لكنه لا يتعامل مع الانسان على أساسها بل يعطيه فرصته كاملة. ليس الكل من  العروس، و لكن ليس الكل الذين ليسوا من العروس سوف يكون مصيرهم الهلاك: لأنه "ذهب فكرز للأرواح التي في السجن". "الَّذِي فِيهِ أَيْضًا ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ،" (1 بط 3: 19). و هذا هو تعليم  القديس إيرينيئوس، الذى قد نشرته في كتاب "التغيير لصورة مجده"،فقد نادى القديس أيرينيئوس  إن النفوس العنيدة أو الأرواح العنيدة المُصرة على الهروب من النور، هي ال ستهلك، لكن غير ذلك، سوف يكون لديهم الفرصة في الدهر الآتي بشكل ما..

و ماذا بعد أن يتجسد الكلمة؟:

  • إذا تكلمنا عن جسد المسيح، لابد لنا أن نذهب لتعليم القديس غريغوريوس النزينزي، وقد تعلمته أيضا من الأنبا غريغوريوس من قبل دراستى اللاهوتية الاكاديمية: الكلمة اتخذ جسدًا: ما هية هذا الجسد؟ يشبهنا في كل شيء، ما خلا الخطية وحدها. جسد مثل جسدي طبق الأصل، نفس مثل نفسي طبق الأصل، ثم إن هذا الجسد، بعدما صنع تطهيرًا لخطايانا ودُفن وقام، لما قام، نفس الجسد قام، ولكنه صار جسد القيامة "الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي،" (عب 1: 3): هل هو نفس الجسد؟ نعم ! قال لهم: "جسّوني، هل الروح له لحم وعظام؟" "اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ! جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي." (لو 24: 39): ولكن جسد القيامة لديه صفات وخصائص مختلفة عن الجسد الذى أخذه وولد به من العذراء، فقد دخل والأبواب مغلقة،و ارتفع إلى السماء، إلى آخر كل ذلك...فكان يستطيع أن يأكل، لكنه ليس محتاجا للأكل الأكل لكى يعيش، فهو جسد القيامة.
  • فإذًن هو الجسد نفسه تحوّر إلى جسد القيامة، و مكث معهم أربعين يوما ، يجسّونه ويأكلون معه، وكان معهم هذه المرة يعلمهم، ثم ارتفع بجسد القيامة.و بعدما ارتفع ماذا حدث للجسد (جسد القيامة)؟ "إذ دخل"، "إذ ارتفع إلى السماء"، دخل إلى مجده، فهو تحوّل تحولًا ثالثًا، لما دخل إلى مجده، "أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟" (لو 24: 26): ماذا صارله؟  إيه بقي؟ نحن لا نعرف ما هو التغير الذى طرأ عليه، لا نعرف شكله! أيها الأحباء، نحن الآن أولاد الله، ولم يظهر بعد ماذا سنكون، ولكن متى ظهر، سنصير مثله". "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ." (1 يو 3: 2) و لكننا نعرف أنه دخل إلى مجده...
  • المعلومة الثانية التى نعرفها عن هذا الجسد أنه صار "ملء الذي يملأ الكل في الكل، ما في السماء وما على الأرض"، "ملء الذي يملأ"، "الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ." (أف 1: 23): أى أنه صار فى حجمه يملأ السماء و الأرض، صار بدون حدود، لماذا؟ لأنه دخل إلى مجده، إلى صورة جسد المجد، وصار يسوع المسيح نفسه، وصورة يسوع المسيح نفسه، هو رأس هذا الجسد، بمعني أن صورة جسد المجد هي المجد و جسد المجد هذا هو واحد، هو الذي يملأ السماء والأرض، وهو الذى نلت فيه انا نصيبًا معينًا حسب قصد الذي يعمل كل شيء على حسب رأي مشيئته: "الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا، مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ،" (أف 1: 11): فقد نلت نصيبًا في هذا الجسد، الذى هو جسد المجد: فلما دخل إلى مجده وصار في صورة جسد مجده، تحور من جسد القيامة إلى جسد المجد (صورة جسد مجده)
  • و أيضا فى أثناء القداس، حينما يصلى الكاهن على الخبز والخمر يقول الشماس: "اسجدوا لله بخوف ورعدة". و يقول الكاهن و هو واقف على المذبح: "نحن عبيدك الخطاة غير المستحقين، فليحل روحك القدوس علينا وعلى هذه القرابين، لكي يجعله ويظهره قدسًا لقديسيك، وهذا الخبز يجعله جسدًا مقدسًا له".: من الذى يحل على الخبز والخمر ويحل علينا؟ جسد المسيح الممجد! هو دخل إلى مجد كل مجد الله، وصار ملء الذي يملأ الكل في الكل. هذا جسده، وهو طبعًا رأس الجسد. هذا الجسد هو الذي أنا نلت فيه نصيبًا، وهذا الجسد هو الذي يحل على الخبز والخمر، ويوحدني به حينما يعطيني جسده، يوحدني بجسده الممجد، الذى نلت فيه نصيبًا. و جدير أن نذكر هنا على حتمية الاستمرار فى التناول من الاسرار المقدسة، وذلك لأن المرة الواحدة ليست كافية على الاطلاق فى تحقيق الغاية و القصد و هو الاتحاد بجسد المجد لان من جانب الله هو يريد و يعمل لاتمام هذا الاتحاد و لكن هناك عامل آخر مرتبط بإرادتي، فتقديسي في مرة واحدة غير وارد، فأنا محتاج لغفران الخطايا، الذى هو التطهير من الخطايا، ومحتاج لتكميل الاتحاد بجسده، وأنا محتاج إلى النمو في هذه الوحدة مع جسد مجده، جسده الممجد.

الخاتمة:

"أنا قد جئت نورًا للعالم، لكي لا يمكث كل من يؤمن بي في الظلمة"، "أنا هو نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة". "ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلًا: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ»." (يو 8: 12): إذن الإبن المتجسد هو "الحياة التى أُظهرت،أى ظهرت لنا" و معنى أن "الحياة أُظهرت" أنها كانت موجودة، وكلمة "نور الحياة" هى من التعبيرات التى نحتها المسيح له المجد، لم تكن موجودة في الكتاب المقدس في العهد القديم. "نور حياة"، ربط الحياة، اللتى يمنحها لى بالنور: ومن أجل هذا، أن "الحياة أُظهرت"، فالنور الذي كان آتيًا إلى العالم لكي يُنير كل إنسان "كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ." (يو 1: 9): الحياة أنارتني فأبطلت الظلمة: الظلمة هي الموت، هي الخطية الساكنة فيّ: فهناك إذن علاقة بين الحياة وبين النور.

Powered By GSTV