يحتفل المسيحيون اليوم في كل أنحاء العالم بذكرى صلب المسيح (يوم الجمعة العظيمة)، ولسبب نقص التعليم اللاهوتي لا يتنبه كثرة من المُعلمين المسيحيين أن لفظة "الله" لم تُطلق في الكتاب المقدس بعهديه إلا على "الله الآب"؛ ومزيدًا من الجهل بالتعليم اللاهوتي أن يقول البعض: أن الله قد مات على الصليب !
فعندما اعترض نسطور مستنكرًا: كيف يُصلب ويتألم الله على الصليب؟!
أجابه القديس كيرلس عامود الدين: أننا إذا طرقنا الحديد المُحمى بالنار؛ فإن الطرق يقع بالتأكيد على الحديد دون النار؛ فلما صُلب المسيح وقعت الآلام والموت على جسده وإنسانيته، ولم تقع أبدًا على النور الإلهي (كلمة الله).
فقد كان المسيح في طبيعته الإنسانية: إنسانًا كاملًا يُشبهنا في كل شيء ما خلا الخطيئة وحدها، تقع عليه الآلام والرهبة والحزن، كما تقع علينا، ويُقدم نموذجًا فريدًا من الطاعة للآب السماوي (في 2: 8)، وتقديم نفسه لمواجهة الشيطان والموت، عوضًا عنا؛ فيُبطل الموت (2 تي 1: 10)، ويُبطل الخطية (عب 9: 25)، ويطرح الشيطان نفسه إلى الهاوية، ويجرده من سلطانه على البشر (كو 2: 15).
أنه من المُخجل حقًا، ومن العار أن يتفوه البعض بأن المسيح قدم نفسه ذبيحة لله أبيه لكي يغفر خطايا البشر !؛ فأي إلهٍ هذا الذي ينسبون إليه هذا التجديف. أنه لا يغفر بدون سفك دم !، وأن هذا المسفوك دمه يكون يسوع المسيح ابنه القدوس الوديع. القديس إغريغوريوس النزينزي من آباء القرن الرابع (واضع القداس الذي نصلي به في الكنائس الأرثوذكسية) يطرح هذا السؤال:
لمن قدمت الفدية؟ (أن ابن الإنسان جاء ليبذل نفسه فدية عن كثيرين (مت 20: 28))؛
ثم يُجيب: هل قُدمت الفدية لله الآب؟
- نحن لم نكن أسرى عند الله الآب؛
فهل قدمت الفدية للشيطان الذي أسر الإنسان؟
- حاشا، أن تقدم الفدية للشرير البلطجي !
فمن أين أتى هؤلاء وأولئك بأن فدية المسيح قُدمت لله الآب ! طبعًا المصدر معروف: أنسالم (رئيس الأساقفة الكاثوليكي من العصور الوسطى).
إذن لمن قُدمت الفدية: الفدية تُقدم تعويضًا (أو كفارة) للعائلة التي فَقَدَ أحد أبنائها حياته. فمن هو الطرف الذي خسر حياته بموت الخطية، والذي صار مُحتاجًا إلى أن يعوض عنها بحياة ابن الله (في المسيح) لكي يحيا بها؟
لقد قُدمت حياة المسيح فدية للإنسان لكي يحيا بها، والذي قَدَمها للإنسان هو الله الآب المُحب نفسه: "الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً (تعويضًا) بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ..." (رو 3: 25)، "هكذا أحبّ اللهُ العالَمَ حتى وهَبَ اَبنَهُ الأوحَدَ، فَلا يَهلِكَ كُلّ مَنْ يُؤمِنُ بِه، بل تكونُ لَهُ الحياةُ الأبدِيّةُ. " (يو 3: 16) ت.ع.م.
نحن نحتفل اليوم بمحبة الله الفائقة للإنسان، إذ وهبه حياته من خلال تجسد نوره (اِبنه)؛ حتى يُنير كل إنسان، ويُحرر الإنسان من عبودية الشر والشيطان، إلى حرية مجد أولاد الله: "وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ" (في 2: 8-9).
أهنئكم جميعًا بذكرى صليب المسيح؛ لأن كل ما حدث في المسيح يسوع هو عطية من الله إلى الإنسان، مُحتفلًا أيضًا مع جميعكم بقيامته من الأموات. إذ أقامه الله الآب من الأموات وأجلسه في مجده لأجلنا في السماويات (أع 2: 24).
بنسلفانيا – أمريكا
۱۷ أبريل ۲۰۲٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي: