"وَلَمَّا قَالَ هذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ. وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ، وَقَالاَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ»." (أع 1: 9-11).
يُعتبر هذا الاقتباس عاليه من سفر أعمال الرسل – من العهد الجديد للكنيسة المسيحية: هو الإعلان المتفق عليه بين المسيحين قاطبةً: بأن المسيح يسوع قد أرتفع إلى السماء بجسدهِ الإنساني الذي ولِدَ به من العذراء مريم (بقوة الروح القدس)، والذي صُلِب به وقبر وقام من الأموات في اليوم الثالث؛ والآن ها هو يرتفع بهذا الجسد إلى السماوات، مع وعدًا بأنه سيعود من السماوات بنفس الطريقة التي أرتفع بها إلى السماء.
ما كان مفهومًا في تلك الأزمنة عن السماوات يُشكل تصورًا مختلفًا عما أستطاع الإنسان أن يتعرف عليه عن الفضاء الخارجي وكم الأجرام السماوية التي لم تحُدها حتى الساعة أقوى التلسكوبات الفضائية المتطورة، وعليه فحينما نتحدث الآن بلغة العصر عن ارتفاع المسيح من الأرض إلى السماء؛ فإننا نتحدث عن ارتفاعهِ من حالة الحواس المادية والجسد المادي التي نعيش بها على هذه الأرض للدخول إلى حالة ومجال فوق طبيعية لا تخضعُ للحواس الأرضية، ولكنها تنتمي إلى حالة ما وراء الطبيعة التي نعرفها بظروفها المختلفة والفائقة التي لا نعرفها.
هذا الصعود للمسيح بجسده ما بعد القيامة وارتفاعه إلى مكان ومجال لا نعرف عنه شيء ولا ندركه مع الوعد بعودته يُفهم بالتسليم الإنجيلي والكنسي من منظور لاهوتي بحسب وصف القديس غريغوريوس النزينزي على النحو التالي:
أولًا: أن المسيح وُلِد من العذراء مريم بجسد وإنسانية تُشبه أجسادنا وإنسانيتنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها.
ثانيًا: أن المسيح بعد صلبه ودفنه لما قام من الأموات؛ فإن جسده هو نفسه الذي مات به هو الذي قام به، ولكنه كان قد تحور إلى صورة جسد القيامة بخصائص وإمكانات وصفات الجسد الإنساني عند قيامة الأموات: أي أن جسد المسيح كان قد بلغ صورة القيامة من الأموات بطريقة باكورية - التي سيحصل عليها الأبرار عند البوق الأخير وقيامة الأموات في نهاية الدهر (1 كو 15: 52-53).
ثالثًا، وما يزال الكلام للقديس غريغوريوس النزينزي: أن جسد المسيح عندما أرتفع إلى السماء دخل إلى حالة المجد الفائق فصار جسدًا مُمَجَّدًا، وهي الصورة المجيدة التي يعد بها الإنجيل المؤمنين بالتغير إلى مشابهتها في حياة الدهر الآتي: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ." (1 يو 3: 2)، وأن مجيء المسيح الثاني سيكون بهذا الجسد المُمَجَّد الذي صار يَشعُ ببهاء إلهيٌ سماويٌ أفضل من بهاء الشمس التي نعرفها: "وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ." (مت 17: 2)؛ هذا فضلًا عن أن كل الإشارات التي تتكلم عن مجيئه الثاني: أنه ستراه كل عين (رؤ 1: 7)، وأنه سيكون في الفضاء (على سحاب السماء) بمجدٍ وبهاءٍ ونورٍ عظيمٍ.
على الرغم من ثبوت هذا الفهم لمجيء المسيح الثاني في كل الكنيسة وعهدها الجديد: أن المسيح سيظهر في السماء كالبرق، ولن يأتي في الأماكن والمخادع بتحذيرٍ وتشديدٍ واضح من المسيح نفسه في الإنجيل: "فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: هَا هُوَ فِي الْبَرِّيَّةِ! فَلاَ تَخْرُجُوا. هَا هُوَ فِي الْمَخَادِعِ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ، هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ." (مت 24: 26-27).
إلا أنه من العجب العُجاب الذي تتحير له الألباب: أن بعض المُحدَثين: أبتكر وروَّج لنظريةً تفترض أن المسيح ما يزال بجسده الإنساني، وأنه سيذهب به إلى مدينة أورشليم؛ لكي يُقدم نفسه لليهود في أورشليم؛ حتى يؤمنون به !!
المُثير للحيرةِ والشفقةِ والغثيان بآنٍ واحد: أن اليهود الذين يحكمون أورشليم في الوقت الراهن يقولون: إن يسوع المسيح يهودي مُهرطق، وهو ليس المسيح اليهودي، وأن مسيحهم اليهودي سيكون إنسانٌ عاديٌ وملكٌ؛ سيبني الهيكل اليهودي الثالث، ويجمع اليهود المُشتتين إلى أورشليم (إسرائيل). فتأمل !
بنسلفانيا – أمريكا
٦ مارس ۲۰۲٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath