التعليم الموروث عن اليهودية؛ الذي سري منها إلي كل الدنيا عن القيامة والدينونة؛ هو نسخة غير معدلة من فكرة البعث والثواب والعقاب عند قدماء المصريين؛ والسبب أن الفكرة الفرعونية القديمة نجحت في أن تتمكن من العقل الإنساني ومن الوحي الديني علي السواء؛ هو منطقيتها وتطبيقاتها المادية المحسوسة وسهولة إدراكها وتصورها وتناغمها مع منطق الشريعة والعقاب الذي برمجت عليه الاديان حياة البشر وعلاقتهم ببعضهم وبالقوة الخالقة غير المنظورة ؛ومن ثم أبديتهم !
التعليم المسيحي أكد علي عقيدة القيامة والدينونة بعبارات واضحة من فم المسيح نفسه له المجد؛ ولكنه أُعطي تعريفات جديدة تماماً و مختلفة بالطبع عن الموروث الفرعوني واليهودي علي السواء؛ الأمر الذي لم تلحظه ولم تدركه الأذهان التي مازالت تحت الشريعة اليهودية وعهدها القديم؛ علي الرغم من إيمانهم بأن المسيح قد جاء في الجسد؛ بل ورأي هؤلاء في فاهمي إعلان العهد الجديد؛ أنهم ينكرون الدينونة والحساب: "وأنه عين يوما للمجازة سيعطي فيه كل واحد فواحد كنحو أعماله" !
علي أن تعديل المفاهيم من اليهودية الفرعونية إلي المسيحية بدأه المسيح نفسه له المجد في حواره مع مرثا أخت لعازر في ( يو١١) قال لها يسوع سيقوم أخوك ؛ فأجابته : أنا أعلم أنه سيقوم في يوم القيامة( و هذا هو المفهوم اليهودي الفرعوني تماماً) الذي عدله لها المسيح بإجابته: " أنا هو القيامة والحياة"
المسيحية ديانة مختلفة تماماً عن اليهودية في كل شيء؛ ما عدا الإيمان بواحدية الله خالق الجميع والأكوان! ونحن هنا بصدد واحدة من أهم تعديلات المفاهيم بين اليهودية الفرعونية وبين المسيحية: ماهي القيامة ؟ وبالتالي وما هي الحياة الابدية؟ لاحظ هنا الفارق بين فكرة البعث والخلود وبين القيامة والحياة الابدية في الانجيل :
أن المسيح نفسه هو علة القيامة وسببها وصانعها؛ و أن الحياة الأبدية هي حياته التي يهبها للإنسان؛ لذلك فإن محاولة تركيب الايمان بالمسيح علي العهد القديم؛ أخرجت مسخاً مزيفاً غير مقنع للمسيحية! تستطيع أن نراه بوضوح حولك في تعليم وعبادة كل هؤلاء الذين لم يفهموا العهد الجديد بعد! لأن برقع القديم ما يزال علي قلوبهم!
ونفس الفهم ينطبق علي الاختلاف الهائل بين معني الدينونة في مفهوم الشريعة والناموس الذي هو بالطبع طبقاً للناموس؛ توقيع العقوبة الانتقامية من العصاة الاشرار التي يحكم بها الناموس؛ ولكنها بطريقة أبدية خالدة !!
بينما تعريف المسيح الواضح في العهد الجديد للدينونة هو : "و هذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلي العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور"نفس المنطق والقاعدة: كما أنه هو القيامة فهو أيضا الحياة والنور ؛ فالدينونة هي رفض نور الحياة ؛والنتيجة هي البقاء في الموت؛ والموت هنا طبعاً ليس هو موت الجسد لكنة موت الروح والنفس أيضا أي الكيان الانساني كله؛ وبحسب تعبير القديس أثناسيوس:" البقاء في الموت"
الاختلاف والتباين الصارخ بين يهودية العهد القديم؛ والعهد الجديد هو في الاساس والمعيار؛ فالأساس في اليهودية هي الشريعة فلابد أن تكون الدينونة بالتالي هي العقاب؛ بينما في العهد الجديد :
الأساس هو المسيح الذي هو النور والحياة وبالتالي فإن يوم الدينونه سببه هو إستعلان الحياة والنور والمجد في مجيئة ومن ثم يحترق الشياطين ( والناس الذين معهم بالتالي) من مواجهة هذا النور والمجد وهذه هي الدينونة في الإنجيل !
وهذا هو ما يشرح حادثة موت حنانيا في سفر أعمال الرسل؛ أن المواجهة مع المسيح النور الحقيقي الذي يحمله بطرس؛ وبين الكذاب الخائن! الذي أحضره إلي الدينونة؛ فوقع ميتاً، فالدينونة هي إحتراق الظلمة في مواجهة النور والشر في مواجهة المجد والموت في مواجهة الحياة التي في المسيح ؛ ولهذا قال الإنجيل عن الدينونة : " أذهبوا عني يا ملاعين إلي النار الابدية المعدة لإبليس و ملائكته " فليس الانسان هو المستهدف بالإحتراق بواسطة النور الابدي ولكنه الشيطان؛ ولكن الإنسان الملتصق بالشيطان لابد أن يحصد طبعاً حصاده؛ وهذه هي الدينونة في العهد الجديد.
والسؤال الآن هل ما حدث في سفر أعمال الرسل من دينونة لحنانيا في مواجهته مع حضور المسيح بالروح القدس في بطرس الرسول؛ مايزال قابل للتحقيق الآن كاشفا خيانة وكذب أي "حنانيا" معاصر ؟ الإجابة : نعم ؛ إذا كان متوفراً بيننا من هو بطرس؛ الذي يحمل حضور المسيح ! علي أية حال فإن الأيام والأحداث ستتكلم بالحقيقة التي لن تقبل الجدل ولا المراوغة في المستقبل القريب! فيُعرف للجميع من هو الخائن! و من هو بطرس ؟ الذي يحمل حضور المسيح للعالم؛ وهذه هي الدينونة!