ذهبت المسيحية إلى حل مشكلة العبودية بأسلوبها العملي في طاعة وصية الإنجيل، فقد ألزمت السادة من المؤمنين بأن يتعاملوا مع العبيد بالمحبة على اعتبار أنهم أخوة وأنهم شركائهم في ميراث ملكوت السموات بالمساواة.
"أطلب إليك لأجل ابني أنُسيمس، الذي ولدته في قيودي، الذي كان قبلا غير نافع لك، ولكنه الآن نافع لك ولي" (فليمون ١ : ١٠-١١)
– "عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب، عبدا كان أم حرا. وأنتم أيها السادة، افعلوا لهم هذه الأمور، تاركين التهديد، عالمين أن سيدكم أنتم أيضا في السماوات، وليس عنده محاباة."(أفسس ٦: ٨-٩).
فلم تكن عبودية القيد والسجن هي العبودية التي لا مخرج منها، فلربما كان إنسانًا مقيدًا أو مٌستعبدًا، بينما حرية عقله وفكره تستطيع أن تكسر القيود والأسوار، وتسافر إلى كل الدنيا عبر التاريخ والمسافات؛ فقد كتب الرسول بولس أقوى رسائله (أفسس – كولوسي – فيلبي) وهو في السجن، واستطاع فكره الحر المُحلق في السماويات أن يتجاوز قيود الأسر، ويغير حياة الكثيرين على مدى التاريخ.
لكن العبودية الحقيقية كما يراها الإنجيل؛ هي التي تستعبد حرية إرادة الإنسان، وتستعبد وتقيد فكره وتذل روحه ومحبته وقلبه؛ لهذا يقول المسيح له المجد:" الحق الحق أقول لكم: إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية."(يوحنا ٨ : ٣٤) يحركه الشرير (الشيطان) ويقوده ويحرك أفكاره ودوافعه إلى الشر والخزي والازدراء والعار الأبدي.
فلذا فقد أراد المسيح للإنسان أن يتحرر أولاً من عبودية الخطية والشيطان التي تستطيع أن تهدم سعادته وسعادة أسرته بنزوه طائشةٍ، بحماقة غضبٍ غير محسوبٍ، وتستطيع أن تبدد أحلامه وطموحاته وتنحدر بالعار بين الناس في هذا الدهر، وبمرارة البقاء في الموت والعار الأبدي مع الشيطان؛ الذي استعبد إرادته وأغواه لتحقيق مشيئته.
المسيح يضرب لنا مثلاً : "حينما يحفظ القوي داره متسلحا، تكون أمواله في أمان. ولكن متى جاء من هو أقوى منه فإنه يغلبه، وينزع سلاحه الكامل الذي اتكل عليه، ويوزع غنائمه."(متى ١١ :٢١-٢٢)، ومعنى هذا المثل هو: أن إبليس الشرير هو ذلك القوي الذى ربط وأسر وقيد الناس بالخطايا والشهوات، وسجنها فى سجنه، واستعبدها لتحقيق إرادته، وطالما لم يكن هنالك من هو أقوى منه الذى يستطيع أن ينزع سلاح القوي ويربطه هو نفسه، فلن يمكن لأحدٍ أن يحرر غنائمه (النفوس التى أسرها) من سجن وعبودية شهواته، ومن ثم فإن المسيح يعلن لنا أنه هو الأقوي من الشيطان الذي جاء لكى يغلبه، ويقيده ويطرحه إلى الهاوية؛ ومن ثم يحرر نفوس البشر التى أُغويت وقٌيدت بشهوات هذا الشرير:
"إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارا، ظافرا بهم فيه."(كولوسي ٥ : ١٥)
- "الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا."( يوحنا ١٢ : ٣١)
ولذا يعلن المسيح أيضاً أنه هو المحرر الوحيد الذى غلب الشيطان، والذى سيستطيع أن يحرر الإنسان المُقيد في عقله وقلبه وإرادته بقيود الشر، ويطلق المأسورين أحراراً: يَسبّحون في حرية مجد أولاد الله منتصرين على الشر والشرير بالهتاف والتسبيح، لذلك يقول له المجد: " فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا."(يوحنا ٨ : ٣٦).
فإذا كنت أيها المسيحي تعتقد أنك ابناً لله ووارثاً لملكوت المسيح، فإن هذا السؤال يضع التحدي أمامك: هل تحرر عقلك وإرادتك وقلبك من سلطان وغواية الشر والخطية؛ أم ما زلت مغلوباً مهزوماً منها وتردد عبارة: لا أستطيع!؟
هذا معناه ببساطة أنك ما زلت مستعبداً للشرير والخطية، وأنك محتاجاً لأن تُراجع البرهان على محبتك وبنوتك لله.
ولكن هذه ليست نهاية التاريخ بعد، فكثيرون مما كانوا مُقيدين ومُستعبدين للخطايا ولعبودية إبليس؛ قد لجأوا إلى المسيح الأقوي منه الذى غلبه وطرحه بالصليب إلى الهاوية؛ ونالوا من المسيح شفاء وحياة وطبيعة جديدة، وكلهم يهتفون بصوتٍ واحدٍ:
"فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا."
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "المسيح كما أعلنه الإنجيل" اضغط عالرابط التالي
https://anbamaximus.org/articles/JesusAsTheGospelRevealed.php