احدثت وصية المسيح؛ "أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم" صدمة متحدية للعقل الإنساني! وتساءل الكثيرون: إذا كان البشر لم يفلحوا في تحقيق الوصية القديمة؛ تحب قريبك وتبغض عدوك؛ فلماذا يُصَعِّب المسيح الوصية متحديًا الذهن والمنطق البشري بأن: أحبوا أعدائكم؟!
هذا التساؤل يُعَبِّر عن عدم إحاطة بإنجيل الحياة الجديدة (ناموس روح الحياة) الذي أحله المسيح محل ناموس موسى -فقط للذين قبلوه- دون أن يهدم أو ينقض ناموس موسى، الذي توقف عند حد التشريع ومعرفة الخطية؛ دون إمكانية الغلبة عليها؛ وهذه الغلبة هي التي قدمها المسيح بالإنجيل.
فوصية الإنجيل غير مُقدَّمة للإنسان المهزوم من أنانيته تحت عجز الناموس! ولكنها فقط للذين قبلوا النور النازل من السماء متجسدًا في المسيح وممنوحًا منه، وصار لهم النور في أعماق قلوبهم وعقولهم؛ فمن أين للإنسان بالمحبة، والمحبة كانت عند الله؛ والله كان بعيدًا ومحتجبًا عن الإنسان؟!
لذلك فقد كانت المبادرة من عند الآب السماوي الذي أحب الإنسان فوهبه نوره (ابنه) لكي يحيا به؛ ثم أن المسيح الابن المتجسد يقول للبشرية (لتلاميذه): لا أعود اسميكم عبيدًا بعد بل أحباء (يو١٥:١٥)
فقد أنشأ المسيح علاقة جديده بين الله والإنسان، قدّم فيها الله للإنسان بصفة الآب السماوي، وجعل من الإنسان ابنًا لله؛ وجعلنا له أحباء وليس مجرد عبيد لله! ومن ثم فقد أعلن له محبة الآب السماوي وأعطى نفسه للإنسان بمحبة الآب لينيره ويوحده بشخصه، ومن ثم فقد صارت في الإنسان، محبة الله الغالبة التي يستطيع بها أن يحب الأعداء!
هذه هي فلسفة المسيحية وأساس الإنجيل: أن الله أحب الإنسان، والمسيح أعلن هذه المحبة للإنسان بطريقة عملية، بأن أحب الإنسان إلى حد بذل النفس لأجله "ليس لأحدٍ حب أعظم من هذا أن يضع أَحَدٌ نفسه لأجل أحبائه" (يو١٣:١٥) وبعد أن ذوَّق للإنسان جمال المحبة وثمرتها، أعطاه بالروح القدس النعمة والقدرة أن يحب هو أيضًا غيره، وأن يختبر قدرة المحبة على أن تغلب الشر، وأن تبيد الشرير "فلا يغلبنك الشر بل اغْلِبِ الشر بالخير" (رو ٢١:١٢).
ومن هنا ارتقى المسيح بالإنسان إلى المحبة الغالبة، التي يستطيع بها أن يحب أعدائه وأن يغلب بها الشر "أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات" (مت٥:٤٥،٤٤)
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "المسيح كما أعلنه الإنجيل" اضغط عالرابط التالي
https://anbamaximus.org/articles/JesusAsTheGospelRevealed.php