[هذه السلسلة من المقالات عن إعادة قراءة العهد القديم بعيون وفكر العهد الجديد؛ ليست تكرارًا ولا حوارًا حول سلسلة المقالات التي سبقتها؛ التي برهنت أن ناموس العهد الجديد (روح الحياة القدوس)؛ قد حل محل ناموس العهد القديم (الخطية وعقوبة الموت) "لأنه إن تغَيَّر الكهنوت فبالضرورة يصير تغيُّر للناموس أيضًا" (عب ١٢/٧)؛ ولكنها محاولة تطبيقية جادة لقراءة العهد القديم بفكر العهد الجديد]
الخطية والسقوط (تك٣):
بداية فإن القديس أثناسيوس قدم شرحًا إنجيليًا لسقوط الإنسان استغرق الفصول الأولى من كتابه الرسالة إلى الوثنيين مغايرًا للموروث اليهودي ولاهوت العصور الوسطى؛ وقد بدأه بأن قصة الشجرة والجنة هي تصوير رمزي من تعبير الطوباوي موسى النبي؛ لشرح سقوط الإنسان؛ وعليه فإن فهم مفردات التشبيهات هو بداية الفهم:
"الحية" هي الشيطان؛ و"الحوار" مع المرأة هو الغواية؛ و"الأكل" من الشجرة هو ابتلاع الطعم الذي أدى إلى دخول الشر إلى الإنسان الذي كان يحيا في معرفة الخير فقط؛ فصار فيه الخير والشر معًا؛ وبالشر دخله الموت (رو١٢/٥)؛ فالموت إذن دخله من الشيطان "الميت الأول بتعبيرات ق. أثناسيوس" بسبب دخول الخطيئة إلى مشيئته بطاعة مشيئة الشرير؛ وليست حكمًا صدر من الآب ضد الإنسان.
ثانيًا: أن الموروث اليهودي طبقًا لقانون (ناموس) العقوبة بالموت؛ افترض أن الموت كان عقوبة من الله للإنسان على المعصية؛ بينما الموت دخل البشرية بحسد إبليس (بلدغة) الحية؛ فكما تنقل الحية سم الموت الذي فيها إلى الإنسان؛ فهكذا نقل إبليس الموت الذي فيه (عب١٤/٢) إلى الإنسان بغواية معرفة الشر؛ فصار الإنسان في الموت وصار الموت يعمل فيه؛ وهذا هو السقوط؛ فطبقًا للعهد الجديد فإن أجرة الخطية الموت: أي أن ثمرة ونتيجة الخطية الموت؛ وليس أنها عقوبة من الآب المحب للإنسان.
ثالثًا: أن الله كان قد حذر الإنسان "بالوصية" من الاقتراب من الشر (لا تمساه) أو ابتلاع طعمه (ولا تأكلا منه) لئلا يدخلهم الموت بالشر؛ ومن ثم يفقدان نعمة الاشتراك في "الكلمة" والحياة الأبدية التي فيه؛ ولم يعاقبهما الآب السماوي بالموت لأنه ليس فيه موت طبقًا لإعلان العهد الجديد؛ "فموتًا تموتا" ليست حكمًا عليهم بالموت بحسب الموروث اليهودي الناموسي؛ بل هي وصية تحذيرية من الخطية والغواية والموت؛ يقول القديس اثناسيوس في كتابه تجسد الكلمة؛ أن النعمة التي أعطيت للإنسان الأول آدم: هي نعمة الاشتراك في الكلمة؛ وأن الله أَمَّنَ العطية بالوصية "لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا"
رابعًا: أما الخروج من الجنة؛ فهو الخروج من حالة البركة والمجد والسلطان على الطبيعة بسبب امتلاء الإنسان من الحياة بسبب نعمة اشتراكه في الكلمة ومحبته وسلطانه؛ إلى حالة الطبيعة والأرض التي ينعكس عليها شقاء الإنسان المتغرب عن الحياة التي في الله (وهذه هي اللعنة)؛ وهذا هو أيضًا معنى سيف لهيب النار المتقلب الذي يفصل بينهم وبين شجرة الحياة التي هي "الكلمة" الذي فيه كانت الحياة التي هي نور الإنسان؛ وقد انفصل عنه الإنسان ففقد الحياة وصار في الموت.
يا الله العظيم الأبدي الذي جبل (خلق) الإنسان على غير فساد (ليس فيه الموت)؛ ثم دخل الموت إلى البشرية (العالم) بحسد إبليس؛ سقطنا من الحياة الأبدية بغواية الشيطان (الحية).
فظهرت لنا نحن الذين كنا في ظلمة الموت؛ بابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح؛ هذا الذي أحب خاصته الذين في العالم، وأسلم ذاته عنا إلى الموت الذي تملك علينا، الذي كنا مقيدين (ممسكين) به ومباعين لعبودية الشرير بسبب خطايانا؛ الذي نزلت روحه الإنسانية وقت الصليب إلى الجحيم لتحرر الأرواح المقيدة بالموت في قبضة إبليس (نزل إلى الجحيم من قبل الصليب).
وحتى لا يخدع أحد نفسه؛ أو يخدعه أحد: هل صارت فيك حياة الله بالمسيح يسوع بالفرح والسلام والمحبة؛ أم أن الموت يسكن أعماقك بالخطيئة والقلق والضيق والاضطراب والاكتئاب؟
"من هو نجس (فسيظل نجسًا) فليتنجس بعد؛ ومن هو بار فليتبرر بعد ومن هو مقدس فليتقدس بعد" فما أنت فيه الآن؛ هو ما سيظل معك وستكون عليه في أبديتك؛ أنه اختيارك؛ الحُر!