غياب الاستنارة، وفقدان الصلة بلاهوت الكنيسة الأولى، واختراق الصهيونية لكنيسة ولاهوت العصور الوسطى، مع إقناع الناس على غير الحقيقة: أن الكتاب المقدس اليهودي وعهد المسيح الجديد للبشرية: هما كتاب واحد! مع أنهما كتابين، وعهدين، مختلفين في الأساس (الناموس؛ والمسيح) والكهنوت (كهنوت المسيح وكهنوت هارون)، والناموس (ناموس موسي؛ وناموس الروح القدس - روح الحياة)! وفقط متفقان في واحدية وكلية الإله خالق الكون، مع التباين البعيد المدى في فهم صورة الله وطبيعته وحتى وصاياه!
المقارنة بين العهدين ليست من إبداعي؛ لكنها مسجلة وواضحة في الفصل الأول من إنجيل المسيح كما كتبه القديس يوحنا التلميذ الحبيب:
١- "لأن الناموس بموسى أُعطي، أما النعمة، والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو ١٧/١)
٢- "الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر" (يو ١٨/١)
هذه بكل بساطة هي مفاتيح المقارنة بين عهد موسى والمسيح له المجد وعهده الجديد: فهل تنبؤات العهد القديم عن المسيح له المجد؛ تعني أن نعمة التبني قد أعطيت للبشرية قبل مجيء النور الحقيقي في الجسد كما تبشر الصهيونية المسيحية؟! برأيي؛ هذا الكلام هو تجديف على حق الإنجيل وإنكار له بكل أسف!
وهل أُعطي الحق بموسى أم بالمسيح (يو١)؟ أو بتنبؤ الأنبياء عن المسيح؟! فما هو "الحق الكتابي" إذًا؛ الذي تبشر به الصهيومسيحية؛ إذا كان الحق لم يعطي إلا بالمسيح حسب "حق الإنجيل" الذي ينكرونه ويجدفون عليه لحساب استعادة واستدعاء القديم إلى جوار الجديد بتعبير (الحق الكتابي) فهل يوجد حق آخر غير المسيح!
ثم تبلغ المقارنة بين القديم والجديد ذروتها في هذه العبارة:
"الله لم يره أحد قط (ولا موسى أو أي من الأنبياء القديسين؛ فهم شهود عن الله الذي لم يروه!) الابن الوحيد (١-) الذي هو في حضن الآب (٢-) هو خبر (عن الآب الذي رآه ويعرفه لأنه منه)" (يو ١٨/١، ٤٦/٦، ٢٩/٧)
فما الذي قدمه موسى: الناموس (أي الشريعة) الذي لم يكمل شيئًا! (عب ١٩/٧) بل أكد ثِقَل الخطية ودينونة الموت بها؛ على الإنسان! (رو ٨/٢)؛ بينما بحسب مقارنة الإنجيل فقد أعطي المسيح لنا النعمة والحق؛ فما النعمة؛ ومن هو الحق؟
نعمة العهد الجديد كما يشرحها القديس أثناسيوس في كتابه تجسد الكلمة: هي نعمة الاشتراك في الكلمة (بتجسده) "نعمة ربنا يسوع المسيح" (٢كو ١٤/١٣) أما من هو الحق بحسب حق الإنجيل فهو من قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة؛ ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي". (يو ١٤/٦)؛ فهل عبارة الرب: "إلا بي" تعني ولا موسى ولا الأنبياء القديسين ولا بالعهد القديم؟!
فالمقارنة الجوهرية بين العهد القديم والعهد الجديد: أن الناموس قدم للبشرية تشريعًا نافعًا ونبوات الأنبياء عن المسيح المخلص؛ وهذا هو أساس العهد القديم والديانة اليهودية؛ أما العهد الجديد فقدم خلاص المسيح ونعمة التبني والطبيعة الجديدة بقبول المسيح والاتحاد به، وبالمسيح يُعطى سكنى الروح القدس والامتلاء به وبالحق والحياة الأبدية التي في ابن الله، "والحق يحرركم" حرية مجد أولاد الله؛ وهذا هو أساس المسيحية وعهدها الجديد.
فبعدما صارت الفروق الجوهرية بين العهدين القديم والجديد وبين الناموس والإنجيل واضحةً؛ فكل التوقير لناموس الرب الذي كان مؤدبنا إلى المسيح؛ النافع للتقويم والتوبيخ الذي في البر؛ وقد شهد أنبياء العهد القديم عن مجيء المسيح المخلص؛ لكن خلط الحقائق بين القديم والجديد الذي تقوم به الصهيونية المسيحية باسم وحدة الكتاب المقدس؛ فأراه تجديفًا على حق الإنجيل واستدعاءً لليهودية إلى جوار رب المجد؛ كما فعل قبلاً "الغلاطيون الأغبياء" في العصر الرسولي.