ليس بقصد اللوم على أحد؛ ولكن الخلفية التاريخية من لوازم الفهم الصحيح للأمور: الكنيسة الشرقية عمومًا أخذت موقفًا صارمًا من محاولات تهويد المسيحية التي بدأت منذ عصر الرسولي بشهادة رسائل الرسول بولس؛ فرفضت رفضا باتًا الاحتفال بعيد القيامة مع عيد الفصح؛ مع أن المسيح صلب وقام في عيد الفصح! وأخذت قرارًا حاسمًا بأن الكنيسة المسيحية هي إسرائيل الجديد الذي تنسحب عليها كل وعود العهد القديم - بعد مجيء المسيح - وتتكمل فيها.
وعلى الرغم من أن الفتح العربي، وتعريب الدواوين لاحقًا: قطع الصلة بين تراث الآباء المكتوب بالقبطية واليونانية؛ وبين الأجيال التالية للتعريب؛ فإن الحق يقال إنها حافظت على ما تبقى لها من تراث من خلال الصلوات الليتورجيا؛ فيما كان الاختراق الصهيوني قد تمكن من مفاصل اللاهوت الغربي؛ حتى أتى اللاهوت الغربي إلينا في الشرق على صهوة الحضارة والتقدم والطباعة مع الحملات العسكرية الغربية ومع الإرساليات الأجنبية.
أحضر البابا كيرلس الرابع المطبعة؛ لكن المادة المتاحة للطباعة كانت محدودة وقد صنفت فيما بعد عصر التعريب؛ وقاد الأرشيدياكون طيب الذكر: حبيب جرجس؛ حركة مدارس الأحد للحفاظ على الهوية الشرقية؛ لكنهم لم يفطنوا إلى أن الاختراق الصهيوني كان متغلغلًا في كل اللاهوت الغربي كاثوليكيًا كان أو بروتستانتيًا! فيما كانوا قد آنسوا للتأثير الكاثوليكي تفاديًا للبروتستانتية!
بلغت المأساة ذروتها حينما تولى قادة حركة مدارس الأحد زمام السلطة في الكنيسة المصرية؛ بهذه الخلفية اللاهوتية الغربية المخترقة من الصهيونية. قال كبيرهم على الملأ يومًا؛ في مواجهة لاهوت آباء كنيسته الذي يجهله: "نحن سنحتكم ونتناقش فقط من الكتاب المقدس" ومن ثم أشاع الجهلة بلاهوت الآباء؛ أن معلمي الآباء: هراطقة!
وكان من أهم القضايا التي أصر على تبنيها والدفاع عنها وهرطقة كل من يعلم بتعليم الآباء في مواجهتها: هي نظرية أنسالم رئيس أساقفة كانتربري الكاثوليكي في القرن ١٢م “العدل والرحمة" شرحا للصليب والفداء!
ولأنه لم يقرأ أي نوع من الدراسات اللاهوتية؛ فلم يكن يدري الحقيقة التي يعرفها أي طالب لاهوت في كل جامعات العالم: أن نظرية العدل والرحمة هي من وضع أنسالم في القرن ١٢م! ولأنه بالفعل تتلمذ في شبابه على كتب الإرساليات الغربية المخترقة من الصهيونية فقد ظل يدافع متحمسا عن الاختراق اليهودي للفكر المسيحي في نظرية العدل والرحمة؛ لشرح الفداء!
اعتمدت نظرية العدل والرحمة على العهد القديم اليهودي دون العهد الجديد المسيحي: فذهبت إلى تعريف الخلاص بأنه غفران الخطايا وأن غفران الخطايا هو الصفح الإلهي عن التعدي الإنساني للشريعة (الناموس) بعد تقديم الفدية المناسبة للحصول على الصفح؛ وأن المسيح جاء لتتميم الناموس وإيفاء متطلبات العدل الإلهي التي يتطلبها الناموس ومن ثم فقد صار رب السبت والناموس؛ خادمًا للناموس!
بينما خلت النظرية تمامًا من أي نص من العهد الجديد: بدايةً من محبة الآب السماوي "هكذا أحب الله العالم" (يو ٣: ١٦) إلى إبطال الخطية والموت بذبيحة نفسه (عب ٩: ٢٦) (٢تي١: ١٠) حتى هزيمة إبليس وطرحه إلى الهاوية (كو٢: ١٥)؛ وبنفس الطريقة شُرِحَ الغفران بأنه الصفح عن التعديات طبقًا للشريعة أيضًا؛ وليس أنه التطهير من الخطايا وليس مجرد الصفح! (عب٣:١)
موضوعنا الجوهري ليس هو الاختلافات بين عقيدة كنيسة وأخرى؛ ولكنه الاختراق التهويدي الصهيوني لمعظم الكنائس المسيحية لربطها لاهوتيًا بالعهد القديم وتفريغها من قوة الغلبة والخلاص التي في العهد الجديد!