الوحي في المسيحية وبحَرّفِية نصوص العهد الجديد ليس إملاءً؛ ولكنه: "تكلم أناس الله القديسون (مسوقين) من الروح القدس" وهو مختلف بالقطع عن تعريف الوحي في اليهودية والإسلام؛ وهذا التعريف محددًا كُتِبَ عن وحي العهد القديم؛ لأن وحي العهد الجديد الذي نزل من السماء: هو الكلمة المتجسد أي المسيح نفسه؛ ومن هنا عقد الرسول بطرس في رسالته الثانية المقارنة بين وحي العهد القديم ووحي العهد الجديد؛ فشبه وحي القديم بنور سراج؛ بينما شبه نور الجديد بشمس النهار "وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت؛ التي تفعلون حسنا إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم؛ إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم" ( ٢بط١: ١٩)
وقراءة أسفار الكتاب المقدس بعهديه: تفصح عن أن قيادة الروح القدس وإلهامه لكتبة أسفار العهدين لم تلغْ إنسانية ولا شخصية ولا ثقافة وحكمة الأنبياء والرسل ولم تتجاوزها؛ فأسلوب أشعياء النبي الفيلسوف يختلف عن أسلوب نبوة عاموس راعي الغنم؛ وكذلك أسلوب القديس يوحنا في كتابة إنجيله متميز عن باقي الأناجيل وهكذا.
ومن ثم فحينما يقول العهد القديم: "قال الله لموسى" ينبغي أن نفهم أن الله قال لموسى؛ وحيا! لأن الله لم يراه ولم يسمع أحد صوته بنص الإنجيل؛ وبفم المسيح له المجد نفسه: "لم تسمعوا صوته ولا رأيتم هيئته" (يو ٥: ٣٧) وينبغي أن نفهم أيضًا أن أحدًا لم يكن حاضرًا أو شاهدًا على ما قاله الله لموسى؛ ولكن الواضح أن عبارة " قال الله لموسى" هي طريقة تعبير موسى النبي نفسه عن الوحي أو الإرشاد والإلهام الذي صار إليه؛ وحتى حينما يقول: "كما يكلم الرجل صاحبه" فهو تعبير عن "مسوقين من الروح القدس" ولا مزيد على ذلك!
و"مسوقين من الروح القدس" هي تعبيرات العهد الجديد عن الكلمة النبوية التي تم لاحقا مزجها بالموروث اليهودي الذي يرى الوحي إملاءً؛ هذا فضلا عن خلط الأوراق وإضفاء الصيغة التي وصفت بها النبوات؛ على الأسفار التاريخية التي هي تسجيل تاريخي محض بما في ذلك على سبيل المثال؛ الكلمات القبيحة جدًا التي تفوه بها شاول الملك لابنه ناثان بعدما هرَّبَ داود صديقه منه؛ ولا يليق أن يقال إن التاريخ موحى به؛ أو أن مثل عبارات شاول الوقحة وحيًا!
المؤسف والمبكي والمحزن هو المحاولة المستميتة من الصهيونية المسيحية لخلط الأوراق بين العهدين: القديم والجديد للمساواة بين موسى والمسيح وبين اليهودية والمسيحية بل وإلصاق اليهودية وقديمها بجديد المسيحية؛ باسم وحدة الكتاب المقدس! بينما يصرح العهد الجديد: فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال - إذ الشعب أخذ الناموس عليه - ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكي صادق؟ ولا يقال على رتبة هارون! (عب ٧: ١١)
فهل بناءً على ذلك نهمل العهد القديم! أم ننتفع بكل ما كُتِبَ لتعليمنا ونقرأ القديم بإنارة إعلان العهد الجديد وبعيونه؟ فلا نُخدع بمحاولات اختراق اللاهوت المسيحي وتهويد المسيحية؛ باسم وحدة الكتاب المقدس