يجهل الكثيرون تاريخ طباعة الكتاب المقدس ؛ كما وقع الاكثرين تحت تأثير الدعاية التي روجت لها الصهيونية المسيحية؛ من خلال إختراقها للعقل المسيحي الغربي؛ روجت لفكرة خبيثة لتفريغ المسيحية من أساسها بتوظيف عبارة المسيح له المجد "ما جئت لأنقض بل لأكمل"؛ حتى يصبح فهمها طبقا للصهيونية المسيحيه؛ أن المسيح كمل بناء العهد الجديد على الأساس الموضوع سابقا وهو العهد القديم! بما أن العهدين قد ضما في كتاب واحد سمي الكتاب المقدس!
الحقيقة الإنجيلية الدامغة هي أن أساس العهد الجديد هو المسيح نفسه له المجد: "فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساسا آخر غير الذي وضع الذي هو يسوع المسيح" (١كو٣: ١١) الذي لم يهدم الناموس؛ فالشريعة نافعة للإنسان الطبيعي؛ وأما إنسان العهد الجديد والطبيعه الجديدة فقد قدم له المسيح _الأساس الجديد _ ناموسًا جديدًا؛ تجاوز متطلبات الناموس القديم بقوة الحياة الجديدة إلى آفاق الكمال والقداسة التي عجز القديم عن تحقيقها: هو ناموس الروح القدس "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد اعتقني من ناموس الخطية والموت"!
على أن فكرة إحلال ناموس القداسة والكمال (الجديد) محل ناموس عجز الطبيعة الإنسانية وإستعبادها (القديم)؛ ليس استنتاجا ولكنه نص كلمات العهد الجديد في (عب ٧: ١٨،١٩) "فإنه يصير إبطال الوصية القديمة من أجل ضعفها وعدم نفعها، إذ الناموس لم يكمل شيئًا"؛ وفي (عب ٧: ١٢) "لأنه إن تغير الكهنوت فبالضرورة يصير تغير الناموس أيضا"
ومن ثم فإن المسيحية من بداية عصورها حتى القرن الخامس عشر وإختراع المطبعة؛ لم تعرف كتابًا يضم في مجلد واحد العهدين: القديم والجديد وإسمه الكتاب المقدس! لكن المخطوطات التي وصلت إلينا من القرن الرابع وحتى القرن الخامس عشر: هي للعهد الجديد فقط؛ ولكن لما أخترع جوتنبرج المطبعة، ووضعت ضغوط من اليهود في المانيا على المسيحيين أن يضم العهدين في مجلد واحد (تنفيذيا كانوا مجلدين الأول من التكوين إلى المزامير والثاني من المزامير إلي الرؤيا) وبهذا تم لأول مرة في التاريخ حوالي سنة ١٤٥٥م ضم العهدين في مجلد واحد مطبوع.
لا جدال ولا شك في وحي العهد القديم؛ ولا في أن رب المجد استشهد به هو وتلاميذه والآباء والمجامع، وأنه نافع للتقويم والتعليم للبر؛ ولكن تظل هناك فروق ومفارق جوهرية بين العهدين:
١- أساس العهد القديم هو الناموس؛ أما أساس الجديد فهو المسيح
٢- الناموس لم يكمل شيئا (عب٧: ١٢) ولكن المسيح لم يهدمه فهو نافع؛
أما المسيح فجاء بالمسكن الاعظم والأكمل (عب٩: ١١) وهذا هو معني "ما جئت لأنقض بل لأكمل"
٣- لاهوت العهد الجديد مختلف تمامًا عن القديم لأنه لاهوت الطبيعة الجيدة والشركة مع الطبيعة الإلهية
٤- العهد القديم أعطى للبشرية "الجالسين في الظلمة و ظلال الموت" أما الجديد فقد صار للذين أعطوا سلطانًا أن يصيروا أولادًا لله.
٥- في القديم: الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد؛ لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد (يو ٧: ٣٩) أما في العهد الجديد فنحن"هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" (١كو٣: ١٦)
٦- في العهد القديم تنبأ أناس الله القديسون عن المسيح؛ أما في الجديد فإن الحياة قد أظهرت بالتجسد وفاضت ومنحت بالقيامة
٧- حينما قارن الرسول بطرس بين وحي العهدين؛ شبه وحي العهد القديم بنور سراج بينما شبه الجديد بشمس النهار: "و عندنا الكلمة النبوية، وهي أثبت، التي تفعلون حسنا إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم" (٢بط١: ١٩)
فهل يقودنا هذا الفهم والتنوير إلى إهمال العهد القديم؛ الذي لم يهدمه المسيح له المجد رئيس إيماننا؟! حاشا: بل نقرأ العهد القديم بعيون العهد الجديد، وبكمال الوصية والإعلان الإلهي وعطية الحياة الجديدة والنور الكامل الذي بالعهد الجديد في المسيح يسوع ربنا.