من اليوم الأول لمولده وتجسده بيننا على الأرض؛ وكان الصراع قد بدأ مباشرةً بين ملك؛ وملك! قتل فيه هيرودس الملك السفاح أطفال بيت لحم الصغار بدون رأفة؛ فيما لم يمكنه قتل ملك السلام الوليد؛ وتعاقب سلاح القتل من هيرودس إلى هيرودس؛ وكان الرد من المسيح له المجد "لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أنا آخذها؛ لا أحد يأخذها مني"
وحتى لما قبل الصلب والموت؛ قام في اليوم الثالث؛ وكذلك لما حاول هيرودس الأخير أن يقتل بطرس الرسول؛ خرج بطرس سالمًا من سجنه؛ أما هو فضربه الملاك وصار الدود يأكله حتى مات! وتوالت الأحداث بين المضطهدين والمسيحيين على نفس المنوال؛ حتى آمن الإمبراطور نفسه بالمسيحية وأعلنها ديانة رسمية للإمبراطورية ٢١٣م؛
ومن هنا تيقن الشرير أن مواجهة المسيح والمسيحية بالعنف والاضطهاد إنما تؤول إلى النتيجة العكسية لمشيئته وإلى هزيمته وثبات الكنيسة؛ ومن ثم تحول على الفور إلى محاولة تخريب الكنيسة من داخلها؛ وهنا تحقق تحذير المسيح لتلاميذه "أحترزوا من الانبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب حملان و هم من الداخل ذئاب خاطفة" (مت ١٥/٧)
وبدأ الشرير يزرع ويجند من داخل الكنيسة؛ أساقفة وقيادات كنسية لزرع البغضة والانقسام والحرومات والضلال؛ حتى أنجز بشٍر وتزييف الذين هم من داخل؛ مالم ينجزه بسيوف وظلم الطغاة والمضطهدين .
لم تكن الفكرة التي إستخدمها الشرير ضد كنيسة المسيح على مدى السنين تحتاج إلى ذكاء وعبقرية؛ وهي إستيلائه على مقاليد السلطة الزمنية أو الكنسية ليحارب بها المؤمنين المخلصين؛ ومن ثم كانت محاربتنا هي مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر؛ ومع رجال الكنيسة المزيفين! الذين هم في الحقيقة أولاد إبليس وأعداء إنجيل المسيح!
كان ولايزال الخروج من فخ الشيطان هذا؛ سهلًا وممكنًا إذا تنبه المؤمنين المقدسين إلى العلامات التي وضعها المسيح وتلاميذه القديسين لأبناء الملكوت بالمقارنة مع أبناء إبليس؛ ولم يخدعوا بالرتب الكنسية والعمائم وأهداب الثياب؛ وأن الكنيسة هي جسد المسيح النابض بحياته طالما كانت متحدة بالرأس المسيح وثابته فيه! بينما إذا إنفصل الجسد عن الرأس فما عاد بعد جسدًا حيًا ولا نابضًا بالحياة؛ بل يصير جثة ميتة متعفنة وبلا حياة.
المؤسف والمحزن حقًا أن العناصر التي إختبرت نعمة الاتحاد بالمسيح وشركة الطبيعة الجديدة فيه الذي يشكلون الجسد الحقيقي للمسيح؛ ما يزالوا غير مدركين لهذه الحقيقة أنهم هم جسد المسيح الحقيقي؛ وما يزالوا يتعاملون مع الجسد المنفصل عن الرأس على أنه جسد! مع أنه لم يعد بعد جسدًا حيًا بل جثة متعفنه تفوح منها رائحة الموت! ومادام هؤلاء الاحياء مدفونين في وسط الأموات فلا هم قادرون على أن يعلنوا إنجيل المسيح ومجده ولا الحياة والقيامة للعالم؛ ولا هم قادرون على أن يحرروا آخرين من الموت والتعفن؛ ولا هم يعلنون المسيح من خلال جسده؛ ولا أن يعدوا له عروسا وكنيسة مجيدة بحسب قصده لا عيب فيها ولا غضن؛ لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله!