مما يؤسف له أن بعض الدارسين من المسيحيين يفهمون أنه بما أن وحي العهد القديم هو أن الأنبياء قد تنبأوا في العهد القديم مسوقين بالروح؛ فإن وحي العهد الجديد سيكون معناه أن تلاميذ المسيح كتبوا الأناجيل كذلك مسوقين بالروح؛ وبهذا الوصف يكون وحي العهد القديم مماثل ومساوٍ للعهد الجديد؛ بما أن كلاهما كلمة الله!!
والحقيقة أن وحي العهد الجديد هو الكلمة المتجسد؛ يسوع المسيح نفسه؛ الوحيد الذي رأى الله وخبر عنه؛ والوحيد الذي يعرفه لأنه منه وقد أرسله إلى العالم.
وعندما أراد الرسول بطرس أن يصف وحي العهد القديم "الكلمة النبوية" وصفها بالسراج؛ مقارنًا إياها بوحي العهد الجديد المسيح "كوكب الصبح المنير" أي شمس النهار: "وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسنًا إذا ما إنتبهتم إليها كسراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار و يطلع كوكب الصبح في قلوبكم" (٢بط١٩/١)
إذًا فالأناجيل هي تسجيل مكتوب وأيضًا مسوقين من الروح القدس ولكن للكلمة المتجسد نفسه يسوع المسيح؛ الذي هو وحي العهد الجديد.
ومن ثم فإن المساواة بين وحي القديم بأنبياء لم يرَّ أحدٍ منهم الله! وبين وحي العهد الجديد الذي هو الكلمة الأزلي المتجسد؛ سيعبر عن قصور شديد في فهم واستيعاب حق الإنجيل.
الحقيقة الأُخرى التي لم يدركها الكثيرين؛ أن عدم نقض المسيح للناموس؛ ليس معناه التأسيس عليه! لأن الابن الكلمة الذي من الآب الذي هو وحده من رأى الله؛ هو أساس العهد الجديد الوحيد؛ الذي لا يمكن أن يُبنى على أساس آخر غيره!
كما أن تكميل الناموس لا يعني بأي حال البناء على أساسه! بل يعني تغييره وتبديله بناموس آخر؛ تبعًا لتغير الكهنوت بكهنوت آخر والأساس الآخر الجديد؛ هو المسيح نفسه؛ وناموس المسيح الجديد الذي حل محل ناموس العقوبة والموت؛ هو ناموس روح الحياة في المسيح يسوع الذي أعتقني من ناموس الخطية والموت؛ أي ناموس الطبيعة الجديدة والحياة الجديدة.
فهل معنى هذا إلغاء أو إبطال الناموس القديم؛ بل بالعكس فإن الناموس القديم سيتحقق وأضعاف أضعافه أيضًا؛ فبدلاً من أن كانت الوصية القديمة تحب قريبك؛ لم تنقض محبة القريب بل زاد عليها محبة الأعداء؛ وبدلاً ما كانت الوصية القديمة لا تزني؛ لم تلغى وصية لا تزني؛ ولكن زيد عليها أن لا تشتهي.
وهكذا فإن الناموس الجديد؛ ناموس الطبيعة الجديدة؛ لم يلغي ولم يبطل الناموس القديم بل زاد عليه وكمله بقوة حياة لا تزول؛ ولكن هذا ليس معناه الإبقاء على القديم كأساس؛ لأن الأساس الجديد المسيح؛ قد حل محله؛ وبتغير الكهنوت والأساس قد تغير أيضًا الناموس "لأنه إن تغير الكهنوت فبالضرورة يصير تغير للناموس أيضًا" (عب ١٢/٧)
نحن في العهد الجديد أمام أساس جديد؛ بخلاف الناموس القديم الذي لم يكمل شيئا (عب١٩/٧)؛ ولكنه فقط كان مؤدبنا إلى المسيح؛ وقد حلت محله عطية الحياة والطبيعة الجديدة؛ لتعتقنا من ناموس العقوبة والموت إلى ناموس روح الحياة؛ الروح القدس روح الغلبة والقوة والقيامة والحياة الأبدية بالمسيح يسوع.
وهكذا يصبح السؤال الأهم بالنسبة إلى المسيحي؛ هل نلت نعمة الطبيعة الجديدة والحياة الجديدة؛ أم أنك فقط تؤمن مصدقًا أن المسيح قد جاء؛ ولكنك مازلت تعيش بذهن الناموس؛ ولذلك لم تدرك؛ ولم تدركك حياة الغلبة على الخطية والموت؟!