رأيٌ في الأحداث (٧٤) | تجديدُ الخطابِ الديني، لِماذا؟
Nov 27, 2025 5
980 79

رأيٌ في الأحداث (٧٤) | تجديدُ الخطابِ الديني، لِماذا؟

لا شكَّ أن مَن يقرأ التاريخ بعنايةٍ سوف يُلاحظُ الدورَ الدمويَّ الذي لعبته العقيدةُ والأديانُ في حياةِ الشعوب حينما يختلطُ الدينُ بالسياسة، وأنَّ هذا التوصيف لا ينطبقُ على دينٍ بعينه دونَ الآخر، ولا على شعبٍ أو طائفةٍ دون غيرها؛ فقد تسببت الصراعاتُ الدينيةُ السياسية في إفقارٍ، وظلمٍ، وسفكِ دماءِ الملايين في أوروبا بين البروتستانت والكاثوليك، وفي الشرق الأوسط كما نعرفُ جميعنا.
على أنَّ الأوروبيين وجدوا قادةً أذكياء حوَّلوا الانقسامَ الطائفيَّ إلى وحدةٍ واتفاقٍ في كلِّ مملكةٍ على حدَةٍ، ثم اجتمع الجميعُ في الاتحادِ الأوروبي المعروف، مُقتنعينَ أنَّ الصراعَ لا يبني أُممًا، وأنَّ التعايشَ وقبولَ الآخر هو الطريقُ الوحيدُ للرخاءِ والأمانِ والحرية؛ على أننا، لِسُوءِ الواقع، لم نَحْظَ في شرقِنا بمنهجِ قبولِ الآخر رغم الاختلاف، وما زالت الجماعاتُ الدينيةُ المتشددة تسعى إلى فَرْضِ عقيدتها بقوَّةِ السلاح، أو يسعى الآخرونَ إلى قتالِهم بالحربِ اللفظية والكلماتِ والتشويه.
الآن امتلكَ الإنسانُ حريتَه، فدخلَ في مواجهةٍ فكريةٍ بلا هوادة مع الموروثِ الديني، وساعده في هذا سرعةُ انتقالِ المعلوماتِ والأفكار من مكانٍ إلى آخر عبرَ الإنترنتِ والسماواتِ المفتوحة، وصاروا يتساءلونَ: إذا كنا نمتلك عشراتٍ ومئاتٍ من المخطوطات المتباينة مع بعضها لكلِّ الكتبِ المقدسة في كلِّ الأديان؛ فأيُّها الذي أوحى به الله للإنسان؟!
وبعد التطورِ الهائلِ في عقول البشر، وقبولِ الآخر، ونَبْذِ العنف، وحقوقِ الإنسان، صاروا يتساءلونَ ويحتجونَ: كيف يأمر الله بقتلِ وإهلاك البشر، وسَبْيِ النساء والأطفال (تث 20)؟ وكيف يكون الله بهذه القسوة التي مارسها أنبياؤه بأوامر منه: كيشوعَ بنِ نون في أريحا! فإذا كانت كلُّ هذه الأخبار عن رجالِ الله حقيقيةً وبأوامرٍ إلهية؛ فلماذا ينبغي أن نعبدَ إلهًا قاسيًا بهذا الشكل؟
ثم يأتي الاحتجاجُ الأهمُّ منهم: إذا كانت الشريعةُ التي أُعطيت قبل ستةِ آلافِ سنة على يد موسى النبي مناسبةً لاحتياجِ إنسانِ ذلك الزمان، فهل لم يكن الإلهُ يعلم أنَّ الأجيالَ القادمة ستحصلُ على هذا القدرِ الهائل من المعرفةِ والتطورِ والنضجِ العقلي والإنساني؛ حتى يفرضَ على الإنسانِ المعاصر تشريعًا أُعطي لإنسانِ عصورِ اللاتقدمِ واللامعرفة؟
ومن هنا بات التحدي والمواجهة بين إنسانِ العصر وإنسانِ الموروثِ الديني لا ينتهي إلا بأحد أمرين: إمّا تجديدُ الخطابِ الديني ليُقدَّمَ حقائقَ الإيمان الأساسية بطريقةٍ إنسانيةٍ مفهومةٍ ومقبولةٍ من الإنسان المعاصر، خلوًّا من الموروثاتِ التاريخية؛ أو تركُ الدين، والاندفاعُ إلى الإلحاد، أو إلى الربوبية في أحسن الأحوال. 
وهذا رأيي في الأحداث والتاريخ.

بنسلفانيا – أمريكا
٢٦ نوفمبر ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV