لاهوت العهد الجديد (٢٠) | الحوارُ اللاهوتيُّ والوحدةُ المسيحيّةُ
Oct 19, 2025 3
980 79

لاهوت العهد الجديد (٢٠) | الحوارُ اللاهوتيُّ والوحدةُ المسيحيّةُ

عندما كنتُ طالبًا في الكليّة الإكليريكيّة، كنتُ أشتكي من قلّة المعلومات والمناهج الدراسيّة التي كنتُ أدرسها، غير واضعٍ في اعتباري أنّها وُضِعَت لإعداد خريجين يقومون بدور الكهنة: يُصلّون القدّاسات ويُمارسون باقي الخدمات الطقسيّة، مع بعض الوعظ، وليست موضوعة للتخصّص الدراسيّ اللاهوتيّ الذي كنتُ أحلم به، وذهبتُ لاحقًا أبحث عنه في معاهد الكنائس الأرثوذكسيّة الأخرى.
فإذا قارنتُ كمّ المواد الدراسيّة والمناهج التي كنتُ أراها قليلة كطالبٍ متفرّغٍ، فماذا عساه يُقال من وجهة نظري عمّا كان يُدرَّس لطلبة القسم المسائيّ، وعمّا كانوا يستطيعون تحصيله من معرفة لاهوتيّة بعد يوم عملٍ طويلٍ وساعات الدراسة المسائيّة القليلة! على أنّ طلبة القسم المسائيّ كانوا أكبر سنًّا، وبالتالي أكثر نضجًا وخبرةً إنسانيّة، ومن ثمّ، فبمقارنتهم مع أعمار خريجي القسم النهاريّ وخلفيّتهم الثقافيّة والاجتماعيّة، فقد كان خريجو القسم المسائيّ هم الأكبر سنًا والأكثر مناسبةً لاختيارهم لمهمّة الرعاية وخدمة الكهنوت.
أمّا إذا تركنا تحليل وتوصيف مستوى الدراسة اللاهوتيّة للقسوس الأرثوذكس في مصر، وذهبنا إلى الأساقفة الذين تبوّأوا عرش التعليم في الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، فلربّما لم يتحصّل معظمهم حتى على الدراسة المسائيّة في الكليّة الإكليريكيّة، وأُعتُبِر مؤهّلهم الجامعيّ، خصوصًا إذا كانوا أطبّاء أو صيادلة أو مهندسين، هو مسوّغ اختيارهم أساقفة وقادة للتعليم في كنائسهم!
أمّا إذا أردنا مراجعة مستويات المدرّسين والدّارسين في إكليريكيّات الأقاليم في الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، أو في معاهد اللاهوت للطوائف البروتستانتيّة المختلفة، بخلاف كليّة اللاهوت الإنجيليّة (شارع السكة البيضا بالعبّاسيّة)، فالتقييم سيحتاج إلى تفكيرٍ عميقٍ.
ليس موضوع حديثي اليوم هو ماذا سيُعلّم الأساقفة والقسوس لشعبهم من تعاليم لاهوتيّة ودراسة للإنجيل، وإنّما أقصد فكرةً أخرى، وهي: كيف نستطيع أن ندير حوارًا لاهوتيًّا بين مسيحيّين لم يدرسوا اللاهوت المسيحي دراسة حقيقيّة ومتعمّقة؛ بل ويتمسّكون بأقوال مؤسّسي طوائفهم الذين كتبوا وأسسوا لاهوت هذه الطوائف دون أن يدرسوا اللاهوت من الأساس، وإنّما كانوا مثل أساقفة الكنيسة القبطيّة متخرّجين من الجامعة ودارسين للقانون أو المحاماة؟!
فإذا لم ندِرْ حوارًا لاهوتيًّا بين دارسين للاهوت حتى نصل إلى صيغة متفاهمة ومتقاربة تصنع أرضيّة مشتركة تؤسّس للوحدة المسيحيّة - ربما في الجيل القادم - وتستطيع أن تقدّم خطابًا لاهوتيًّا عصريًّا يُجيب عن أسئلة الملحدين؛ فإن البديل هو أن نواجه تفنيدًا لاهوتيًّا وواقعيًّا لعقائدنا من هؤلاء الملحدين، أو من غيرنا من اللاهوتيّين والدارسين، ينتهي بنا إلى نتيجة مُرَّة في أعين شعوبنا والآخرين!

بنسلفانيا – أمريكا
١٧ أكتوبر ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/NewTestamentTheology

Powered By GSTV