رأيٌ في الأحداث (٥٨) | مسيح إسرائيل ومسيح العالم:
Sep 25, 2025 35
980 79

رأيٌ في الأحداث (٥٨) | مسيح إسرائيل ومسيح العالم:

في عام ١٤٥٥م، انتهت مطبعة جوتنبرج في ألمانيا من ضمّ التناخ اليهودي (التوراة)، والإنجيل (العهد الجديد المسيحي) في مجلد واحد (ثلاثة أجزاء) مطبوع لأول مرة في التاريخ، فعُرِف باسم "الكتاب المقدّس" الذي بين أيدينا اليوم.

أعلن جون كالفن (١٥٠٩م – ١٥٦٤م) في إنجلترا أن وحي العهد القديم مساوٍ لوحي العهد الجديد؛ كأن التوراة أُنزِلت على النبي موسى، والإنجيل أُنزِل على السيد المسيح! وليس أن وحي العهد الجديد الذي نزل من السماء هو المسيح نفسه، كلمة الآب المتجسّد. ثم جاء من بعده جون داربي (١٨٠٠م – ١٨٨٢م)، ليضع تفسيرات منحازة لليهودية (من وجهة نظري)، أسّست الصهيونية المسيحية وفكرة عودة اليهود "الشعب المختار" إلى أرضهم، وأن المسيح يسوع سيعود من السماء إلى أورشليم ليُقدِّم نفسه لليهود فيتعرّفون عليه ويؤمنون به.

انتشرت هذه المفاهيم في أمريكا وربما في أنحاء كثيرة من العالم، وجعلت الأكثرين يتوقّعون عودة المسيح إلى الأرض في أورشليم ليؤمن به اليهود. وتلقّف اليهود الحقيقيون الفكرة، معتبرين أن المسيحيين سيُخدَعون من جديد عند ظهور المسيح اليهودي البديل!

لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن؛ إذ تقتضي مراسم وطقوس تدشين الهيكل تقديم ذبيحة البقرة الحمراء ورشّ دمها على الهيكل ورماد حريقها على الكهنة للتطهير. (عد 19: 1–5) هكذا تنبّه المسيحيون إلى أن ما يجري في إسرائيل ليس استقبال المسيح يسوع، بل هو عودة إلى عصر الذبائح الحيوانية، ما يعني إنكارًا واضحًا للمسيحية ومسيحها. وأعلن الحاخامات اليهود أن المسيح اليهودي القادم هو إنسانٌ وملكٌ طبيعي سيقيم التوراة ويبني الهيكل.

ربط الفلسطينيون بين ذبح البقرة الحمراء وفكرة هدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل اليهودي الثالث مكانه (مع أن الهيكل بُنِي بالفعل في موضعٍ آخر)، فقاموا بالهجوم على إسرائيل في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، ما نتج عنه حملة عسكرية انتقامية قادها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد حركة حماس والفلسطينيين في غزة، وصل صداها إلى أنحاء العالم.

انقلب السحر على الساحر، واستنكر الأكثرون على السيد نتنياهو مذابح الأطفال والفلسطينيين، وعادت إلى الأذهان مذبحة موسى النبي لأطفال المديانيين (العدد ٣١)، وذبح يشوع بن نون لأطفال أريحا (يشوع ٦: ٢١). وبات واضحًا أن مسيح الذبائح الحيوانية والبقرة الحمراء هو آخر، ولا يمكن أن يكون المسيح يسوع، وأن ذبح الأطفال هو إنكار للإنجيل وارتدادٌ عنه.

صار هناك فصلٌ بين "إسرائيل الكتاب المقدّس" ودولة إسرائيل الحالية، وعاد كثيرٌ من الشباب الذي كان قد ترك الكنائس بسبب قصص ذبح الأطفال في العهد القديم إلى التمسك بالإنجيل وكنائسهم؛ في موجة شبابية جماعية لتصحيح المفاهيم: أن مجيء المسيح الثاني سيكون في الفضاء بمجدٍ عظيم وبوق رئيس الملائكة (١ تس ٤: ١٦)، وليس في أورشليم! وأن المسيح يسوع هو مسيح العالم كله من كل الشعوب والأمم والألسنة، واليهود أيضًا معهم، بينما المسيح اليهودي الجديد سيكون فقط مسيح وملك اليهود.

حزنت وتألمتُ كثيرًا للمجازر البشعة وقتل الأطفال الفلسطينيين، ولكنها أعادت إلى ذهني مذبحة أطفال المديانيين وأطفال أريحا؛ فما في الأجداد يتكرّر في الأبناء. وفي الوقت نفسه، سعدتُ بالمجهود الكبير لرئيس الوزراء نتنياهو في تقويض أركان المسيحية الصهيونية وعودة الشباب المسيحي الأمريكي إلى الإنجيل والفصل بين مَن هو مسيح العالم كله (المسيح يسوع) وبين المسيح ملك إسرائيل فقط.

 

بنسلفانيا – أمريكا

٢١ سبتمبر ٢٠٢٥

 

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:

https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV