استطاعَ الملاكُ المتمرِّدُ المطرودُ من حضرةِ الله، والساقطُ من السماءِ—إبليس—أن ينقلَ إلى الإنسانِ المخلوقِ على صورةِ الله: حالتَهُ التي وصلَ إليها بعد انفصالهِ وخروجهِ من النورِ والحضرةِ الإلهيّة؛ أي حالةَ البقاءِ في الموتِ بعد أن فارقتهُ الحياةُ الإلهيّة. فبحسدِ وبغيرةِ الشيطانِ الشرير، أغوى الإنسانَ وأسقطَهُ في حالتِهِ: العصيانِ والتمرُّدِ والانفصالِ عن حياةِ الله، ومن ثمَّ البقاءِ في الموتِ.
الإنسانُ الذي خرجَ من الجنةِ إلى الأرضِ التي تُنبتُ شوكًا وحسكًا، ظلَّ يحلمُ بالعودةِ إليها؛ والإنسانُ الذي فقدَ نعمةَ الحياةِ في الحضرةِ الإلهيّة ظلَّ يأملُ ويحلمُ بعودةِ الحياةِ إليهِ من الموتِ الذي سادَ على الجميعِ، بفكرةِ البعثِ والنشورِ، دون أن يُجيبَ على السؤالِ الملحِّ: كيفَ ومن أينَ ستأتي هذه الحياةُ التي تمنحُ القيامةَ من الموتِ؟ وعلى أيِّ أساسٍ، بخلافِ الأحلامِ والأشواقِ، ستُعطى الحياةُ لمن اختارَ بإرادتهِ الكاملةِ أن يكونَ من إرادةِ الشريرِ والعصيانِ والموتِ؟!
على أيِّ حالٍ، فقد نقلَ اليهودُ عن المصريينَ فكرةَ القيامةِ من الأمواتِ (أي البعثِ والنشورِ) مقرونةً بيومِ القيامةِ وبقدرةِ اللهِ على أن يُحيي العظامَ وهي رميمٌ؛ ومن اليهودِ انتقلتِ الفكرةُ إلى الأممِ والأعراقِ والأديانِ المُحيطةِ بهم.
في إنجيلِ يوحنا، الإصحاحُ الحادي عشر، كان هناك صديقٌ للمسيحِ اسمه لعازر، مرضَ فأرسلوا يطلبونَ المسيحَ لشفائهِ. فلما حضرَ المسيحُ كان المريضُ قد ماتَ ودُفن، فبكت مرثا أخت لعازر في لقاءِ المسيحِ، وقالت له: "يا سيّد، لو كنتَ هاهنا لم يمت أخي." فقال لها المسيح: "سيقوم أخوكِ." وهنا ردَّدت مرثا الموروثَ اليهوديَّ على مسامعِ المسيحِ قائلةً: "نعم، أنا أعلمُ أنه سيقومُ في يومِ القيامة." وهنا يتدخَّلُ المسيحُ ليصحّحَ المفاهيمَ اليهوديّةَ الفرعونيّةَ بإعلان الإنجيل الجديد قائلًا: "أنا هو القيامةُ والحياةُ." أي أنّه هو الذي يستطيعُ أن يُعيدَ الحياةَ إلى الإنسانِ الذي ابتلعَهُ الموتُ؛ وليس يومُ القيامةِ هو الذي يستطيعُ أن يهبَ الحياةَ للإنسانِ. فاليومُ الأخيرُ يومٌ كسائرِ الأيامِ، لا يملكُ سلطةً ولا قوّةً لإعادةِ الحياةِ إلى من صارَ تحتَ سلطانِ الموتِ.
المسيحُ وحده، لأنَّهُ نورُ الآبِ (يو 8: 12) وكلمةُ اللهِ الخارجُ من عندِ الآبِ (يو 16: 28)، هو الذي فيهِ حياةُ الله (يو 1: 4): الحياةُ الإلهيّةُ التي تقهرُ الموتَ وتعيدُ للإنسانِ الحياةَ (يو 11: 25-26). وهو ابنُ اللهِ ونورُ الآبِ الذي حلَّ وظهرَ في جسدِنا الإنسانيِّ (يو 1: 14)، وشابهنا في كلِّ شيءٍ ما عدا الخطيئة (عب 4: 15)، ومن ثمَّ صارَ وسيطًا لنقلِ الحياةِ والنورِ من الآبِ السماويِّ إلى الإنسانِ وذوي الأجسادِ (1 تي 2: 5).
فطبقًا لإعلانِ إنجيلِ العهدِ الجديدِ والإيمانِ المسيحيِّ، فإنَّ ابنَ اللهِ، أي نورَ الآبِ، قد صار إنسانًا مُتخذًا جسدًا من العذراءِ مريم، لكي يواجهَ به الخطيئةَ والشيطانَ والموتَ، ويُبطِلَ بهذا الجسد، في معركةِ الصليبِ: الخطيئةَ والموتَ، ويطرحَ الشيطانَ خارجًا، مُحررًا الإنسانَ من قيدهِ بقوةِ القيامةِ من الأمواتِ. فلولا قبولُ المسيحِ لمواجهةِ الموتِ بالصليبِ والانتصارِ عليه بقوةِ القيامةِ من الأمواتِ، لما كانت هناك غَلَبةٌ على الموتِ، ولا نصرةٌ على الشيطانِ، ولا قيامةٌ من الأمواتِ، ولا حياةٌ أبديةٌ لأحدٍ.
لذلك أجابَ المسيحُ مرثا أخت لعازر، مُصححًا لها الموروثَ اليهوديَّ: ليس يومُ القيامةِ هو الذي يهبُ الحياةَ للموتى؛ بل ابنُ اللهِ، نورُ الآبِ الخارجُ من عندِ الآبِ، هو الذي فيهِ الحياةُ، وهو وحدهُ القادرُ أن يمنحَ الإنسانَ الحياةَ الأبديةَ والقيامةَ من الأمواتِ والانتصارَ على الشيطانِ والموتِ.
وهذا هو حقُّ الإنجيلِ وإعلانُ العهدِ الجديدِ.
بنسلفانيا – أمريكا
4 يوليو ۲۰۲٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي: