كان لمحمد علي باشا الكبير: اِبنة مصابة بروح شرير؛ فلجأ والي مصر إلى بطريرك الكنيسة المصرية يطلب منه أن يساعده في شفاء اِبنته "زهرة" من مرضها؛ فأرسل إليه البطريرك الأنبا يوحنا مطران المنوفية ليصلي من أجل شفاء زهرة.
فلما شُفيت زهرة، سأل محمد علي الأنبا يوحنا: كم يريد من المال مقابل شفاء اِبنته؟ فأجابه: لا أريد مالاً، بل أريد فرمانًا بالمساواة في الوظائف بين المسيحيين والمسلمين. فكان له ما طلب.
كان العم ساويرس يحكي لنا أنه في المناسبات الدينية مثل "صوم العذراء"، يخرج أهل الحارة معًا مسلمين ومسيحيين؛ ليتناولوا العشاء معًا على طبلية واحدة في مودة حقيقية.
لما شرفتُ عدة مرات بزيارة الراحل العزيز الشيخ الدكتور: عبد المعطي بيومي -كان عميدًا لكلية أصول الدين لدورتين-، وكنا ندير حوارًا مسيحيًا إسلاميًا بحضور مثقفي مؤسسة المصريين: كنت أحسُ بنفس الألفة والمودة التي حكى لي عنها العم ساويرس، بفارق أنها كانت هذه المرة على مائدة الفكر بدلًا من طبلية العشاء، ولما شكوت له مرة إساءة فهم بعض المسلمين للإيمان المسيحي؛ أجابني بمودة: وهل اتفق المسيحيون على طبيعة المسيح. خلدت المحبة ذكراه.
الحقيقة إن فترة شبابي شابها اتجار كثير بالدين؛ سواء أكان إتجارًا من السلطة بالدين من خلال الإسراف في البرامج التليفزيونية التي لم تخل من ازدراء الدين المسيحي، أو كان حضًا من رجال الدين أنفسهم على الكراهية المتبادلة؛ ناهيك عن أشكال الخطاب الديني غير المتحضر.
على أن العقد الفائت شهد تجديدًا حقيقيًا في الخطاب الديني من مثقفين مسيحيين ومسلمين على السواء، حتى دأب رجال الدين أيضًا على تقديم خطاب متجاوب مع العقل في مواضيع جوهرية مثل: النار والجحيم، وغيرها، أو خطاب متسامح عن قبول الآخر: كوثيقة دار الإفتاء عن المسيحين كأهل كتابٍ موحدين، ومثل إجابتي في برنامج "حياة المسيح" عن السؤال: "هل يدخل المسلمون إلى السماء (جنة المسيحيين)؟"؛ فكانت إجابتي: "على الرحب والسعة لكل من يريد؛ فالمسيح يقول: من يقبل إليّ لا أخرجه خارجًا".
هذا تصحيح مؤثر ومهم، وقد جاء في الوقت المناسب في مواجهة تيار الإلحاد، ومعركة الوعي والوجود التي يواجهها المصريون معًا، وقد صارت على الأبواب.
أهنئ كل أهلي المصريين بعيد الفطر المبارك، وكل عام ومصر وأهلها جميعًا بكل الخير.
بنسلفانيا – أمريكا
۲۸ مارس ۲۰۲٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath