رأيٌ في الأحداث (۱۲) | إيضاح أخير
Mar 28, 2025 25
980 79

رأيٌ في الأحداث (۱۲) | إيضاح أخير

حتى ننتهي من هذه الوقفة الحوارية اللاهوتية؛ حول الإيمان المسيحي بثلاثة أقانيم في الذات الإلهية الواحدة، ونستأنفُ متابعتنا للأحداثِ؛ كان ينبغي أن أجيبُ على سؤالٍ ذو صلة مهمة في الشرح، وقد وردني من صديقٍ مسيحيّ: إذا كنا نؤمن بواحدية الإله؛ فما ضرورة تصعيب الفهم لثلاثة أقانيم في الذات الإلهية الواحدة؟.

المسيحية تتمايَز عن أديانٍ كثيرة بأنها لا تقف عند حدّ: الإيمان بوجود الإله، وطاعة شرائعه، وعبادته؛ ولكنها تذهب إلى إنشاء علاقةٌ مباشرةٌ بين الله (الآب السماوي)، وبين الإنسان على النحو التالي:

أن الآب السماوي قد أرسلَ نوره (اِبنه) إلى البشرية؛ ظاهرًا في إنسانية المسيح؛ لكي يُنير كل إنسان يقبله (يو 1: 9)؛ أي يصير للمؤمنين به نعمة الاشتراك في النور بواسطة المسيح، وبهذا يصبح المؤمنين الذين يقبلون النور (اِبن الله): هم أيضًا به أبناءً لله بنعمة الله ومحبته، وليس بطريقة جوهرية.

فإذا لم يكن للنورِ شعاعٌ؛ فكيف يُدرك المرء النورِ بغير شعاعٍ؟ وإذا لم يكن للآب السماوي (النور الأزلي) شعاعٌ؛ فكيف للبشرية أن تعرفه وتتواصل معه وتحيا بنورهِ؛ فإذا لم يكن للآب ابنًا (شعاع نوره)؛ لما أمكن للإنسان أن يصير ابنًا لله بالنعمةِ والمحبةِ، ولا أن يفيض فيه نور الحياة ومحبة الله.

وكيف للإنسان -بحسب الإنجيل- أن يتطهر ويتنقى من ظلمة الخطيئة الساكنة في أعماق كيانه: فكرًا، ونفسًا، وجسدًا؛ إن لم يأت عليه روح الله القدوس بقوة القداسة؛ ليقدسه وينقيه من الأدناس، بل يملأه ليحفظه في حياة القداسة "أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1 كو 3: 16).

الإنجيل ليس مجرد رسالة إيمان وشرائع، ولكنه بشارةٍ: أن الله أرسل نوره إلى الإنسان؛ لكي يعرفه ويصير بنوره (اِبنه): ابنًا لله بالنعمة؛ فإذا لم يكن للنورٍ نورًا (شعاعً)، ولم يكن للآب ابنًا؛ فكيف يصبح الإنسان اِبنًا لله بحسب الإيمان المسيحي.

وإذا لم يكن للإله روحه القدوس؛ فكيف تتطهر روح الإنسان وكيانه من الأدناس والخطايا؛ إذا لم يرسل إليه الآب السماوي روحه القدوس؛ لكي يقدسه، ولكي يجعل من الإنسان إناءً وهيكلًا لروح القداسة، وهذا هو جوهر بشارة الإنجيل: أن الله قد أعطانا ابنه (نوره)؛ لكي نحيا به (1 يو 4: 9)، وهذا هو التكميل والكمال: الذي أتى به المسيح؛ مُكملًا للدور الذي أتت بهِ الديانة الشريعية لموسى النبي.

الإيمان المسيحي يؤسس على أن في الذات الإلهية ثلاث صورٍ جوهرية (أقانيم): الآب: الذي يصير لي ابًا "لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا، ... لكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ" (يو 15: 15)، والاِبن (نور الآب): الذي يجعلني اِبنًا، وينيرني بحياة الآب السماوي ومحبته، والروح القدس: الذي يقدسني ويوحدني بحياة الله وقداسته.

وهذا هو جوهر الإنجيل والإيمان المسيحي؛ الذي لم يستوعبه الأكثرين ممن بُشروا بفكرة: آمن تخلص !

 

بنسلفانيا – أمريكا

۲٤ مارس ۲۰۲٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:

https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV