رأيٌ في الأحداث (٧٠) | النموُّ الاقتصاديُّ والانفجارُ السُّكانيُّ
Nov 13, 2025 8
980 79

رأيٌ في الأحداث (٧٠) | النموُّ الاقتصاديُّ والانفجارُ السُّكانيُّ

من غيرِ الممكنِ أن تستطيعَ حكومةٌ تصنعَ المعجزاتِ، كما الأنبياء! أن تُحدثَ نموًّا اقتصاديًّا حقيقيًّا، وتبنيَ مدارسَ ومستشفياتٍ ومساكنَ إلى جانب باقي الاحتياجاتِ الضروريةِ من خدماتٍ ودفاعٍ، في ظلِّ التزايدِ السكانيِّ المحمومِ مع ثقافةِ اللامبالاةِ، واللا انتماءِ، واللا إنتاجِ!
لقد عايشتُ فترةَ حكمِ الرئيسِ جمال عبد الناصر، وكانت مراكزُ تنظيمِ الأسرةِ منتشرةً في كلِّ ربوعِ الجمهورية، وكنتُ أرى بعيني السيداتِ القروياتِ والبُسطاء يحضرنَ بجدٍّ واهتمامٍ إلى مراكز تنظيمِ الأسرةِ، حيث كُنَّ يحصلنَ على وسائلِ رعايةِ الصحةِ الإنجابيةِ وأدويةِ منع الحمل بالمجان.
وكان تعدادُ السكّانِ ثلاثين مليونًا فقط، وكان الطعامُ متوفرًا وبأسعارٍ زهيدة؛ لأنَّ القريةَ المصريّةَ كانت شريكةً في الإنتاجِ الغذائيِّ من لحومٍ ودواجنَ وبيضٍ وألبانٍ ومُنتجاتِ ألبانٍ، وكانوا يعتمدونَ على مزروعاتِهم في إنتاجِ الخبز داخل منازلِهم. فإذا أضفنا إلى عبقريةِ الأداءِ الاقتصاديِّ التلقائيِّ في القريةِ مع مراكز تنظيمِ الأسرة ومجانيةِ التعليم وغيابِ جماعاتِ الإسلامِ السياسيِّ عن المشهدِ الناصريِّ، نستطيع أن نتصوّرَ مدى سهولةِ المعيشة آنذاك، لولا خروجُ جيشنا للقتالِ خارج الأراضي المصريةِ، وخطةُ "اصطياد الديك الرومي" الأمريكيةُ-الإسرائيليةُ التي أودت بنا إلى هزيمةِ سنة 1967م.
لم يَمضِ وقتٌ طويلٌ على الانفتاحِ الاقتصاديِّ بعد نصرِ أكتوبر 1973م، وبدأت الحياةُ تنتعش حتى كان الرئيسُ الساداتُ في ذروةِ الانتصار يُعلنُ نفسه: "الرئيسُ المؤمن"، ويُطلق جماعاتِ التطرفِ الدينيِّ ليُعلنوا بدورهم أن الطفلَ يُولد ومعه رزقُه! فكانت النتيجةُ التي نراها الآن: انفجارٌ سكانيٌّ تجاوز تعدادُه اليومَ مئةَ مليون، حتى بلغنا ما بين 108 و119 مليون نسمة. وبالطبع أدى ذلك إلى انهيار التعليمِ والخدماتِ وكلِّ شيءٍ تقريبًا، ما دفع الشباب المصريَّ للخروجِ إلى الشوارع، وحدثت ثورةُ 25 يناير و30 يونيو.
لا أعرفُ على وجهِ اليقينِ كيف وصلنا إلى هذا الموقفِ الاقتصادي الصعبِ الذي نعيشه اليوم في مصر، ولكنني متأكدٌ بالعقلِ والتجربةِ أنه لو شَكَّلنا وزارةً من أنبياءَ يجترحون المعجزات، فلن تكون قادرةً على مواكبةِ هذا الانفجارِ السكانيّ: بالغذاءِ والأسعارِ، أو بناءِ المستشفيات والمدارس والخدماتِ.
إنني لا أحب أن أُجادل أحدًا في معتقداته؛ إذ أحترم قناعات الآخرين. وعلى الرغم من إيماني أنا وكنيستي بالمعجزات، إلا أنني أُشترِطُ على كلِّ راغبٍ في الانضمامِ إلى خدمةِ الصلاةِ من أجلِ الشفاءِ أن يتابع مع الطبيب، لأني أؤمنُ بالعقلِ والإنسانِ: فلو لَم يكن الإنسانُ والعقلُ، لَما عَرَفنا الإيمانَ بالله.
فإذا كانت التجربةُ التي زرعها "الرئيس المؤمن" قد أودت بنا إلى المعاناةِ التي نعيشها اليوم، ولم تهبطْ علينا ملائكةٌ من السماءِ لإطعامِ الأطفالِ الجِياعِ أو لبناءِ مدارسٍ أو مستشفياتٍ لهم، فإن تجربةَ الرئيسِ عبد الناصر في مراكزِ تنظيمِ الأسرةِ تشهدُ بأنها كانت حلًا عمليًّا وعقلانيًّا.
وهذا هو رأيي في الأحداث.

بنسلفانيا – أمريكا
١٢ نوفمبر ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV