رأيٌ في الأحداث (٦٩) | كرامةُ الحرية ومقاومةُ الفساد:
Nov 10, 2025 10
980 79

رأيٌ في الأحداث (٦٩) | كرامةُ الحرية ومقاومةُ الفساد:

ما زلتُ أعيش في حلمِ وجمالِ سنواتِ البدايةِ، وما صاحبها من مقاومةٍ حاسمةٍ للفساد، ومحاكماتٍ مدروسةٍ للمرتشين والمفسدين، مع تنامي حركةِ التعميرِ في بناءٍ وشقِّ طرق جديدةٍ وتحديثِ مساراتٍ وطرقٍ قديمة. هذا بالإضافة إلى كميةٍ لا يُستهانُ بها من المشروعاتِ القوميةِ العملاقة، كان آخرُها ودُرَّتها "المتحف المصري الكبير". هذه المشروعاتُ يسهلُ على الفساد والمحسوبية -خاصةً حين ترتدي ثيابَ الدين- أن تنهبَها وتُشوِّهَها وتُفرغَها من قيمتها!
فعلى سبيل المثال: المتحفُ المصري الكبير معلمٌ أثريٌّ وحضاريٌّ واستثماريٌّ بامتياز. ومع ذلك، يخرج البعضُ ممن يلبسون ثيابَ الدين ليصفوه بأنّه أوثانٌ وأصنام! فإذا كان هذا هو موقفُ بعض من يُعتبرون قادةً دينيين، فماذا نتوقعُ من سلوكياتِ الطبقاتِ الفقيرةِ الكادحة؟ وماذا عن شبابٍ غير متعلمٍ ولا مثقفٍ تجاه السائحاتِ الأجنبيّات؟ ولدينا سجلٌّ مؤلمٌ ومخزٍ من تصرفات هؤلاء، وكيف ستكون انعكاساتُ معاملةِ السائحاتِ الأجنبياتِ على صناعةِ السياحةِ ودخلِها؟ ناهيك عن سرقةِ الآثارِ أو تدميرِ المشروعاتِ القومية!
توقّفت فجأةً ملاحقةُ الفاسدين والمرتشين ومحاكمتُهم العلنيةُ، وتوقفت معها أصواتُ المُنادين بتجديدِ وعقلنةِ الخطابِ الديني، وكذلك الأصواتُ الداعيةُ إلى منعِ التمييز. وحلَّت محلَّها ـ فجأةً وبدون مقدّمات ـ فجاجةُ التمييزِ الديني بين المصريّين، والتّساهل مجددًا مع الحركاتِ الرجعيةِ وخطابِها الماضوي. كما تسلّل الفسادُ إلى جوارِ الانقسامِ والصراعاتِ الدينيةِ، وانتشرت التغطيةُ المزدوجةُ في كلِّ قطاعاتِ الدولةِ، مع قراراتٍ إداريّةٍ شلّت قطاعاتٍ كالبناءِ واستصلاحِ الأراضي.
برأيي أنّ المشروعاتِ القوميةَ الجبّارةَ تحتاج إلى أدواتٍ للحفاظِ عليها وصيانتها وحراستها، لتظلَّ قادرةً على امتداد العطاء؛ وأظنّ أن هذا يستلزمُ بالتوازي قدرًا كافيًا من الوعي الإنسانيّ والثقافيّ، والشعورِ بالحرية والمشاركةِ في الملكية العامةِ وحمايتها.
إنّ توازنَ جناحي الطائرة هو الذي يُمكنها من الارتفاعِ والطيرانِ بسلاسةٍ، ومن ثمَّ فإنّ جناحَ التوازنِ لمقاومةِ الفسادِ هو امتلاكُ الإنسانِ المصريِّ لحريتِه واستمتاعُه بها دون أن يشعرَ بالقهرِ أو الحجرِ على حريتِه، مع استعادةِ بناءِ الإنسانِ على المستوى الثقافيِّ وأيضًا التعليميّ؛ ليس لكي نحذفَ تدريسَ الفلسفةِ والمنطقِ، بل أن نزيدَ عليها تدريسَ الأخلاقِ وبناءَ المجتمعِ، وأن يشعرَ المصريُّ بالكرامة واحترامِ إنسانيته وحقوقِه، وأنّ القانون يُطبَّقُ على الجميعِ بكلِّ مساواة واحترامٍ للإنسان.
كما هو الحالُ عندنا في أمريكا من ارتباطٍ بين اليسارِ الديموقراطيِّ وانتشارِ الفسادِ والجريمةِ ومقاومةِ الشرطة، نستطيعُ أنْ نلاحظَ بسهولةٍ أيضًا أنّ مجاملةَ التياراتِ الدينيةِ الماضويةِ يصاحبُها غضُّ الطرف عن مقاومةِ الفسادِ والمفسدين وارتخاءُ قبضةِ الحريةِ والقانون؛ ليحلَّ محلّها استعلائيةُ المتدينين باسم الدين والمجالسُ العرفيةُ التي تحتقرُ القانون، كما حدث بالأمسِ القريب في نزلةِ الجلف بالمنيا، ولم تُذَعْ أخبارُ محاكمةِ المفسدين كما نُشِرَ في الإعلام!
وهذا مجردُ رأيٍ في الأحداث.

بنسلفانيا – أمريكا
٧ نوفمبر ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV