ما معنى المجد؟
إن موضوع المجد في إنجيل يوحنا يُعد واحدًا من مفاتيح وأسرار ملكوت السماوات التي سنسعى لاكتشافها بنعمة المسيح.
لقد تعلّمنا في إنجيل يوحنا الإصحاح الأول والعدد الرابع عشر: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا." (يو 1: 14). أو "ملؤه النعمة والحق" بحسب الترجمة اليسوعية.
"والكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا، فسَكَنَ بَينَنا، فرأَينا مَجدَه، مَجدًا مِن لَدُنِ الآبِ لِٱبنٍ وَحيد، مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ" (يو 1: 14 اليسوعية).
إن معنى أن مجده "مجدًا كما لوحيد من الآب" يعني أن له كل مجد الآب. ولقد حاولنا إيجاد تعريف لمجد الآب، ولكننا في الواقع لم نستطع ذلك. فإن التعريفات السابقة التي قالها الأساتذة، بأن مجد الله هو حضور الله، لم تساعد في فهم الصيغة الواردة في إنجيل يوحنا.
العهد الجديد يصف الابن بأنه "الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ" (عب 1: 3). إذا كان الابن هو بهاء مجده، فإن مجد الله هو الله ذاته. ومجد الله هو أداة القياس المتفردة لتعريف ما هو المجد، بمعنى أنه لا توجد أداة قياس خارجة عن الله يمكن وصف مجده أو طبيعته بها.
لا يوجد تعريف يمكن الاستدلال به على مجد الله من الكلمة المقدسة سوى ما كُتب: "«مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ»." (1 كو 2: 9). فهذا الوصف يشير إلى المجد الذي سندخل إليه في ملء الشركة مع الله.
مجد الله وأعمال الله
إن ما يدلنا على طبيعة الله هو أعمال الله. وقد شرح القديس غريغوريوس النيسي أن أعمال الله هي الوجه المُدرَك للطاقة (مجده) الصادرة عنه. فبينما أعمال الإنسان تخضع للزمن (يفكر، ثم يحوّل، ثم يفعل)، فإن الله ليس لديه هذه الأزمنة. فالطاقة الصادرة عنه هي الأفعال في الحقيقة، وهي شيء واحد بالنسبة له، كما في سفر التكوين: "وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ." (تك 1: 3).
ما يفكر فيه الله يصير فعلًا؛ الطاقة الصادرة عنه (مجده) تصير فعلًا بالنسبة للإدراك المحسوس. لذلك، فإن مجد الله هو إحدى الطاقات غير المخلوقة الصادرة عن الله.
إن المجد الذي صار إلينا هو طاقة (إن جاز التعبير)، أي طاقة المجد الصادرة عنه، ومثلها:
• السلام الإلهي: "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ" (يو 14: 27). هذا السلام هو السلام الذي في داخل الله، وقد صار ممنوحًا إلينا بالروح القدس. إنه ليس إحساسًا بشريًا، بل طاقة صادرة عن الله.
• المحبة الإلهية: "لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ" (يو 17: 26). هذا الحب هو الحب الذي في الثالوث "لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا." (رو 5: 5).
• الفرح الإلهي: "لِيَكُونَ لَهُمْ فَرَحِي كَامِلًا فِيهِمْ" (يو 17: 13). إنه فرح الله، طاقة الفرح الإلهية تُعطىَ لنا.
من خلال هذه الطاقات غير المخلوقة (المجد، الحب، الفرح، السلام)، التي ينقلها إلينا الروح القدس من خلال تجسد الابن الوحيد، نُعطىَ الشركة في الطبيعة الإلهية.
في العهد القديم، رأى الشعب العمل العظيم فآمنوا بالرب وبعبده موسى: "وَرَأَى إِسْرَائِيلُ الْفِعْلَ الْعَظِيمَ... فَخَافَ الشَّعْبُ الرَّبَّ وَآمَنُوا بِالرَّبِّ وَبِعَبْدِهِ مُوسَى." (خر 14: 31). أما في العهد الجديد، فالأمر تجاوز مجرد الرؤية، إلى الاشتراك في حياة الله.
إن العبارة "رأينا مجده"، تعني أننا رأيناه من خلال الأعمال. فعندما صنع المسيح معجزة تحويل الماء إلى خمر، "أَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ." (يو 2: 11).
وهذا يربط بين المجد (الطاقة غير المخلوقة) والأعمال. وقد أكد المسيح نفسه هذا الربط بقوله: "إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي." (يو 10: 37). إذن، مجده رؤيا، وصار منظورًا مُعلنًا من خلال الأعمال.
إعلان مجد الله للعالم
إن التلاميذ عندما خرجوا للأم ليبشروا بالمسيح كانوا يبشرون بالمجد الذي هو: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا، لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي." (يو 14: 12).
هذه الأعمال الأعظم تتحقق لأن المسيح بذهابه أرسل الروح القدس، "إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ." (يو 16: 7). و"دَخَلَ إِلَى مَجْدِهِ" (لو 24: 26). رجوع المسيح إلى مجده هو أيضًا رجوعنا نحن. لقد أدخل المسيح الطبيعة الإنسانية معه إلى مجده، حيث: "أَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (أف 2: 6). فالأعمال التي تعملها الكنيسة باسمه هي استعلان للمجد، الطبيعة الإنسانية قد اشتركت في مجد المسيح، ومن ثمّ فالأعمال التي يقوم بها الإنسان المؤمن باسم المسيح هي ذاتها التي يُظهِرُ من خلالها الروح القدس مجد الله في الإنسان وللعالم. وهكذا تُعد الأعمال وسيلة استعلان لمجد الله. لذلك، فإن غياب الأعمال وإظهارات مواهب الروح القدس يكون نتيجة إلى غياب مجد الله، لأن أعمال الكنيسة باسم المسيح هي وسيلة استعلان مجده في العالم. والروح القدس هو الذي يُظهر هذا المجد في المؤمنين من خلال المواهب والأعمال الإلهية، فإن غياب أعمال الله في حياة الكنيسة يعني غياب المجد الإلهي الحاضر فيها. إذ قال الرب: "إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي." (يو 10: 37).
"طريقًا كرسه لنا حديثا حيًا، بالحجاب، أي جسده"
المسيح "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ" (في 2: 6-7).
فبما أن الابن هو بهاء مجد الآب، فلا يمكن أن ينفصل المجد عنه. ولكنه أخلى نفسه من صورة المجد وصار في الهيئة كإنسان. الجسد الذي اتخذه (حين "تجسد وتأنس") حجَب صورة المجد. فإن الجسد صار حجابًا يخفي وراءه المجد. هذا الجسد هو ما أشار إليه الرسول بـ "الْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ" (عب 10: 20).
على الرغم من الحجاب، كان المجد الذي بالداخل يخرج. ومن أمثلة تجليات المجد من خلال الجسد:
• شفاء المولود أعمى: حيث تفل على الأرض وصنع من التفل طينًا، وهذا التفل أعلن قوة الخلق ومحبة الله بآن واحد. "وَتَفَلَ عَلَى الأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِينًا وَطَلَى بِالطِّينِ عَيْنَيِ الأَعْمَى." (يو 9: 6).
• حادثة التجلي: حيث "صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضًّا لاَمِعًا." (لو 9: 29).
وفي إنجيل متى: "وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ." (مت 17: 2).
• إعلان "أنا هو": عندما قال للذين جاءوا للقبض عليه "أَنَا هُوَ"، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على وجوههم.
"فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». قَالَ لَهُمْ: «أَنَا هُوَ». وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضًا وَاقِفًا مَعَهُمْ. فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَنَا هُوَ»، رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ." (يو 18: 4-6).
• شفاء نازفة الدم: بمجرد لمس هدب ثوبه، خرجت القوة (المجد) وتوقف النزيف."لأَنَّهَا قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: «إِنْ مَسَسْتُ ثَوْبَهُ فَقَطْ شُفِيتُ». فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَأَبْصَرَهَا، فَقَالَ: ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ». فَشُفِيَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ." (مت 9: 21-22).
والأعمال كثيرة... "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا." (يو 1: 14).
طريق المجد عبر الاتضاع والآلام
لقد وُضِع المسيح "قَلِيلًا عَنِ الْمَلاَئِكَةِ" (عب 2: 7)، بسبب اتخاذه جسد الإنسان والطبيعة الإنسانية (كان يحتاج لملاك ليقوية). "وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ." (لو 22: 43). ففي الوقت الذي كان فيه الابن يخلي ذاته ويضع نفسه ويطيع حتى الموت موت الصليب، كان الآب يمجده عند ذاته، إذ قال المسيح: "وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ." (يو 17: 5).
إذًا في الوقت الذي كان الابن يضع نفسه ويُخليها، كان الآب يمجده عن ذاته، "إِنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ." (1 بط 4: 14).
فالمؤمنين عليهم أن يتذكروا أنه إن عُيِّروا باسم المسيح، فطوبى لهم، وهذا يتناقض مع فكرة "إنجيل البروسبيرتي (Prosperity) (الرفاهية)" - الذي ظهر في فترة قريبه في أمريكا - الذي يهدف للهروب من الضيقة استنادًا إلى فكرة أن الله يبارك أولاده بصور مختلفة من الرفاهية، والغني وغيره، فأصبح المؤمنين لا يريدون أن يمروا بضيقات، ولكن على العكس، وهكذا فعل الابن أنه كلما كان الابن يخلي نفسه من مجده ويضع نفسه ويطيع حتى الموت والصليب "لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ." (في 2: 7-8). فكان الآب يمجده عند ذاته إلى أن وصل المجد إلى ذروته: فأقامه الله ناقضًا أوجاع الموت "اَلَّذِي أَقَامَهُ اللهُ نَاقِضًا أَوْجَاعَ الْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ." (أع 2: 24). كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب "فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟" (رو 6: 4). وأعطاه اسمًا فوق كل اسم "لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ" (في 2: 9).
ففي القيامة وبعدما مات المسيح بالجسد، خرج المسيح من العالم واصطحب الجسد الذي كان حجابًا. قال عنه القديس أثناسيوس: "اتخذ جسدنا كأداة لكي يواجه بها الموت". الجسد صار أداة واجه بها الموت بالقيامة، هذا الجسد تحول إلى ما يمكن وصفه بـ "الكشاف" الذي يُعلن المجد منه. وقد صار الجسد هو وسيلة نقل المجد، لأنه لولا الجسد، ما كان يمكن للمجد أن ينتقل لذوي الأجساد أو أن تراه كل عين في مجيئه الثاني.
"أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ." (1 يو 3: 2). فالمجد الآن أصبح معلنًا ويفيض لكل الذين سينظرون للمجد ويستقبلوا المجد، لأنه هناك أشخاص ستهرب من المجد "وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الْخَرُوفِ" (رؤ 6: 16). فاللذين سيهربون من المجد هم الأشخاص ذوي الإرادة العنيدة الرافضة للمجد.
ليست كل الناس ستُظهر مع المسيح في المجد. فهناك فرق بين "العروس" الذين هم: "قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ." (كو 3: 3)، وبين: "وتمشي شعوب المخلصين بنورها" "وَتَمْشِي شُعُوبُ الْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا" (رؤ 21: 24).
"الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ." (رو 2: 6).
استعلان المجد من خلال الجسد المُمَجَّد سيكون كاشفًا لمن هم:
• الشريك في المجد: وهم "العروس" (الذين قد ماتوا وحياتهم مستترة مع المسيح في الله).
"لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ." (كو 3: 3).
• شعوب المخلصين: الذين "تَمْشِي شُعُوبُ الْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا".
"وَتَمْشِي شُعُوبُ الْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا، وَمُلُوكُ الأَرْضِ يَجِيئُونَ بِمَجْدِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا." (رؤ 21: 24).
• الرافضون: الذين يهربون من المجد، إلى الظلمة الخارجية بإرادتهم العنيدة.
نحن جميعًا مدعوون لنكون "نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ." (2 كو 3: 18).
للوصول إلى هذه النقطة، يجب الالتزام بطريق محدد، ليس مجرد الصلاة دون عمل:
• الثبوت في المحبة وطاعة الوصايا: "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي." (يو 14: 21). هذه هي الوصية الأساسية: "أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ." (يو 15: 12).
• احتمال الألم والضيق: "لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا." (2 كو 4: 17). "الْإِشْتِرَاكُ فِي آلاَمِ الْمَسِيحِ" "لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ." (في 3: 10-11). فاحتمال الظلم والرفض هو اشتراك في مجد المسيح.
1. "إِنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. أَمَّا مِنْ جِهَتِهِمْ فَيُجَدَّفُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَتِكُمْ فَيُمَجَّدُ." (1 بط 4: 14).
2. "لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا." (2 كو 4: 17).
3. "لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ." (في 3: 10-11).
4. "طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ." (مت 5: 11-12).
فما أجر الاشتراك في الآلام المسيح واحتمال الألم من أجل المسيح؟ اشتراك في مجد المسيح
فالمجد الذي أعطيتني قد أعطيتهم "وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ." (يو 17: 22). هذا بسبب اشتراكه في جسدنا. فهذا المجد قد صار للكنيسة في جسده. ولكن، هذا المجد "نجم أرفع من نجم في المجد. "مَجْدُ الشَّمْسِ شَيْءٌ، وَمَجْدُ الْقَمَرِ آخَرُ، وَمَجْدُ النُّجُومِ آخَرُ. لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ." (1 كو 15: 41).
القديس باسيليوس الكبير في كتابه مقال عن الروح القدس، قال: ما هي هذه الأكاليل التي تميز أحدًا عن الأخر؟ قال: هي درجة الامتلاء من الروح القدس. فهناك درجات متفاوته من الامتلاء من الروح القدس، والامتلاء من المجد. ولكن هناك الحد الأساسي إننا نتحد بالجسد المُمَجَّد ونشترك في مجده. فهناك مجد: "لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ." (1 كو 15: 41). وهناك مجد: "تظهرون أنتم أيضًا معه في المجد". "مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ." (كو 3: 4). فهذه كلها مستويات من المجد.
نحن في الكنائس الأرثوذكسية حريصين على وجود صور الرسل والقديسين، لأن هؤلاء هم مُثُل البذل، اللذين تحقق الإنجيل في حياتهم. فالكنيسة تضع أمام عينيك هؤلاء المُثُل لكي ترى التحقيق للإنجيل وتحقيق الاشتراك في المجد كما وعد المسيح: "تظهرون أنتم أيضًا معه في المجد".
معنى الرؤية الشاخصة "ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف"
"وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ." (2 كو 3: 18).
إن تعبير "ناظرين" يحمل شقين:
• إعلان المجد: أن يُعلن المسيح ذاته للمؤمن.
• الشخوص الروحي: أن يكون القلب والشوق والاتجاه شاخصًا نحو السماويات. أي أننا "نطلب ما فوق"
"فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ." (كو 3: 1). لماذا؟ "لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ. مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ." (كو 3: 3-4). وأن نستخدم هذا العالم "كَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَعْمِلُونَهُ". "وَالَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ هذَا الْعَالَمَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَعْمِلُونَهُ. لأَنَّ هَيْئَةَ هذَا الْعَالَمِ تَزُولُ." (1 كو 7: 31). هذا التغيير "مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ"، يفعله فينا "الرَّبِّ الرُّوحِ" (2 كو 3: 18).
يُظهِر إنجيل يوحنا، في قراءته العميقة، سرًّا من أسرار ملكوت السماوات، وهو انتقال الإنسان من علاقة الطفولة الروحية إلى شركة المجد الإلهي. فما زال كثيرون يتعاملون مع المسيح ومع الإنجيل على مستوى الطلب والغفران فقط: "ارحمني، سامحني، اغفر خطيتي، أعطني"، وكأن غاية الإيمان هي مجرد النجاة من الدينونة أو نيل البركة الزمنية. غير أن الدعوة الإلهية أسمى من ذلك بكثير، إذ هي دعوة إلى الاشتراك في مجده، وإلى التغيّر لصورته. فالإنسان في المسيح مدعو لأن يرى مجد الرب بوجه مكشوف، ليتحوّل بنعمة الروح القدس إلى تلك الصورة عينها، كما يعلن الرسول بولس: "وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ." (2 كو 3: 18).
إن الدعوة التي وُجِّهَتْ إلينا هي أن نشترك في مجده، وأن الصورة التي يريدنا الله أن نتغير إليها هي صورة مجده. فواحده من الاختبارات العظيمة التي كتب عنها آباء البرية هو اختبار "الرؤية الطوباوية"، "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي»." (يو 14: 21). حيث يختبرون مجيء المسيح الثاني بطريقة باكورية ومستمرة.
إن وعد الإنجيل العظيم هو: "وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ" (يو 17: 22-23).