مفهوم سماع صوته و رؤيته
• يقول الرب: "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي." (يو 10: 27): وهنا يميز أن الذين ليسوا من خرافه لا يسمعون صوته. والآن، جميع الأشرار الذين ظلموا الرب وافتروا عليه سمعوه يتكلم، فهل سمعوا صوته أم لا؟ هذا هو المعنى الذي ستتمكن من بلوغه في نهاية هذه المحاضرة. ماذا يعني "خرافي تسمع صوتي"؟
• نبتدئ من البداية ونقول إن أول صدمة ستواجهها هي أن الرب يقطع بأنه لم يسمع أحد من هؤلاء صوته. يقول في يوحنا 5: 37: "وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي. لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ، وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ،" (يو 5: 37): طبعًا، إن عبارة "ولا أبصرتم هيئته" يسهل استيعابها. لكن حينما يقال لك: "لم تسمعوا صوته قط"، فماذا عن كل ما ذُكر في العهد القديم: "وقال الرب لموسى"، و"قال الرب كذا وكذا وكذا". فهل سمعوا صوته أم لم يسمعوا صوته؟ بالطبع، التعليم الذي ساد وانتشر هو التعليم الغربي، والكتب التي تُرجمت في فترة الضعف والتي لا تمتلك الفروق الواضحة التي سنتناولها...
الوحي الإلهي والظهورات الملائكية في العهد القديم
• هل موسى يقول في سفر الخروج 33: 11: "وَيُكَلِّمُ الرَّبُّ مُوسَى وَجْهًا لِوَجْهٍ، كَمَا يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ." (خر 33: 11)؟ فماذا عن كل هذه التعبيرات في العهد القديم أن الرب كان يكلم موسى وجهًا لوجه كما يكلم الرجل صاحبه: هنا إشكاليتان:
- الإشكالية الأولى: كيف كان يكلم الله موسى وجهًا لوجه كما يكلم الرجل صاحبه؟ هل للرب لسان، وهذا اللسان يُحدث الذبذبات الصوتية التي سمعها موسى النبي بأذنه كما يكلم الواحد صاحبه؟ بالطبع، لا يوجد كلام بذبذبات صوتية لا من الرب ولا من الملائكة. فإذا ما كنا نتحدث عن الرب أو عن الملائكة، فالكلام هنا من الرب أو من الملائكة هو وحي. "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." (2 بط 1: 21): فالوحي هو إلهام من الروح القدس، وعملية التعبير عن الإلهام وصياغته هي مهمة النبي نفسه. وهذا يجيب على السؤال: ما سبب تنوع لغة أسفار العهد القديم؟ فالفرق الكبير بين لغة سفر إشعياء وعاموس، حيث كان أحدهما فيلسوفًا وشاعرًا والآخر راعي غنم وجامع جميز، يدل على أن الذي يصيغ العبارات هو النبي. فماذا يعني الوحي إذًا؟ الوحي ليس كلامًا، ليس إملاءً. لا يوجد عندنا في المسيحية فكرة الإملاء. لدينا في المسيحية، بناءً على شرح كل آباء الكنيسة أن الوحي هو إلهام، مع الأخذ في الاعتبار أن القديس أوغسطينوس يشذ عن هذه القاعدة: فكل آباء الكنيسة الشرقية الأرثوذكس، أو كل آباء الكنيسة قاطبة ما عدا أوغسطينوس، أقرّوا بفكرة الوحي الذي هو إلهام، ولا يوجد ما يسمى إملاء. وبالتالي، لا يوجد ما يسمى كلامًا حرفيًا.
- الأشكالية الثانية: "الآب الذي أرسلني". كلام المسيح قاطع ومانع: "لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ، وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ،" (يو 5: 37). فماذا عن كل هذا الكلام؟ لدينا نموذجان هنا:
النموذج الأول: ظهور ملاك الرب في العليقة: "وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ. فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟»" (خر 3: 2-3):الحديث بدأ بـ"ظهر له ملاك الرب" في سفر الخروج الإصحاح الثالث. ثم في العدد الرابع: "فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!» فَقَالَ: «هأَنَذَا»." (خر 3: 4). وفي العدد السادس: "ثُمَّ قَالَ: «أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ." (خر 3: 6): السؤال: هل الذي ظهر كان الله أم كان الملاك؟ هذه كلها ظهورات ملائكة، فكل الذي في العهد القديم هي ظهورات ملائكة. والملاك يتكلم وحيًا، كما شرحت منذ قليل، يتكلم وحيًا باسم الرب، فهو ملاك الرب. لذلك يقال لك: "قال الله" من خلال الملائكة. العبارة الدامغة في العهد الجديد هي في أعمال الرسل الأصحاح السابع التي تقول: "الَّذِينَ أَخَذْتُمُ النَّامُوسَ بِتَرْتِيبِ مَلاَئِكَةٍ وَلَمْ تَحْفَظُوهُ." (أع 7: 53). هذا يعني أنها حسمت الكلام حسمًا نهائيًا وقاطعًا أن كل هذا كان بتوسط ملائكة.
النموذج الثاني: أبونا إبراهيم والرجال الثلاثة: "فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَال وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ،" (تك 18: 2). "وَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ سَارَةُ امْرَأَتُكَ؟» فَقَالَ: «هَا هِيَ فِي الْخَيْمَةِ»." (تك 18: 9): لنصل إلى آخر الحديث: كان هؤلاء ثلاثة ملائكة. في العدد 13: "فَقَالَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: «لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: أَفَبِالْحَقِيقَةِ أَلِدُ وَأَنَا قَدْ شِخْتُ؟" (تك 18: 13). ألم يكونوا ملائكة منذ قليل؟ ثم قال الرب لإبراهيم: "لماذا ضحكت سارة قائلة: فبالحقيقة ألد وأنا قد شخت؟" (تكوين 18: 9-14).
• على هذا النحو ستجد أن ما كان يحدث في العهد القديم هو ظهورات ملائكة، لكن الملائكة كانت تتكلم بفم الرب فيقال لك: "قال الرب". فكل شيء كان على هذا الشكل. وقد أعطيتك من العهد الجديد شاهدين مهمين:
- الأول: "أَخَذْتُمُ النَّامُوسَ بِتَرْتِيبِ مَلاَئِكَةٍ وَلَمْ تَحْفَظُوهُ." (أع 7: 53).
- الثاني: كلام الرب الذي لا جدال فيه، وهو: "لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ، وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ،" (يو 5: 37): هذا النص يعززه النص الذي نقوله دائمًا في أوشية الإنجيل وهو متى 13: 17: "فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَنْبِيَاءَ وَأَبْرَارًا كَثِيرِينَ اشْتَهَوْا أَنْ يَرَوْا مَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا." (مت 13: 17). قد تقول لي أنهم يسمعون إعلان العهد الجديد وهو ما يتحدث عنه، ولكنني أعطيتك ما هو غير ذلك.
المعنى العميق لعبارة "خرافي تسمع صوتي"
• الآن ننتقل إلى الجزء الثاني من الحديث الذي سيساعدك على بداية فهم السؤال الذي طرحته في بداية كلامي: هل الأشرار، هل حنانيا وقيافا الذين حكموا على الرب وأسلموه للموت، ألم يتكلم معهم؟ هل سمعوا صوته؟ هل صوته معناه الذبذبات الصوتية الناتجة عن كلامه؟ هل هذا هو صوته؟ أم أن صوته يعني بعدًا أعمق وأبعد من هذا؟ وما هو هذا البعد.
• فلنذهب الآن إلى يوحنا 10 لنتتبع كلام الرب: "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي." (يو 10: 27): "لِهذَا يَفْتَحُ الْبَوَّابُ، وَالْخِرَافُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ، فَيَدْعُو خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ بِأَسْمَاءٍ وَيُخْرِجُهَا. وَمَتَى أَخْرَجَ خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ يَذْهَبُ أَمَامَهَا، وَالْخِرَافُ تَتْبَعُهُ، لأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ." (يو 10: 3-4): لاحظ أنه قد ميّز بين أنها تسمع صوتي، وتعرف صوتي، ولا تعرف صوت الغريب. "وَأَمَّا الْغَرِيبُ فَلاَ تَتْبَعُهُ بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ." (يو 10: 5):
"خرافي تسمع صوتي". أي أنها تستطيع أن تسمع صوتي.
انتبه الآن أننا سننتقل في الحديث إلى السؤال: كيف أسمع صوت الله؟ هل أسمع صوت الله يكلمني بذبذبات صوتية؟ أم أنني أسمعه يتكلم بالروح القدس؟ فإذا كنت أسمعه يتكلم بالروح القدس، فهل كل الناس قادرة على أن تسمع صوت المسيح بالروح القدس؟ الإجابة: لا. ولذلك سنجيب عن السؤال كيف أسمع صوت الله الذي بالروح القدس.
فإذًا، خرافي فقط هي التي عندها إمكانية أن تسمع. ليس كل أحد يستطيع أن يسمع صوتي، لكن خرافي فقط هي التي تستطيع أن تسمع صوتي.
- "وتعرفني". يوحنا 10: 14 يقول: "أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي،" (يو 10: 14).
- "وتتبعني". يوحنا 10: 27: "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي." (يو 10: 27).
- "لا تسمع صوت الغرباء". يوحنا 10: 5: "وَأَمَّا الْغَرِيبُ فَلاَ تَتْبَعُهُ بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ." (يو 10: 5): ماذا يعني "لا تسمع صوت الغرباء"؟ فها هو الغريب يتكلم، وصوت الغريب يصل إلى أذن الخراف. لا، هي المسألة ليست بالأذن، ليست بطبلة الأذن. هي ترفض أن تسمع صوت الغرباء. هل رأيت الآن معنى "تسمع"؟ ماذا تعني "تسمع"؟ سوف ترى الآن عمق المعنى.
• بالطبع، لا أعرف من منكم شاهد رعاة الأغنام وكيف أن القطيع لا يخرج من باب الحظيرة إلا لو خرج أمامه الراعي. لا يسير في الطريق الضيق إلا إذا سار أمامه الراعي، خصوصًا إذا كان يشعر بوجود الذئب. فهو يتبع الراعي، يسير خلفه، وهذا في الطبيعة. لكن المعنى الذي يقوله الرب هو أن خرافي تستطيع أن تسمع صوتي، وحينما تسمع صوتي، ماذا تفعل؟ تتبعني. تتبعني بمعني تسير ورائي، لا تسير خلف اللص. حينما يدخل اللص الحظيرة لا تتبعه. فهي تميز صوت الراعي، وتستطيع أن تسمعه وتتبعه، تسير خلفه. فالأمران مرتبطان ببعضهما، لأن الذي يسمع صوت الرب مرة ولا يطيع، ينقطع الصوت عنه، ولا يستطيع السماع مرة أخرى. بمعنى أن استمرارية استماع صوت الرب ووضوح صوت الرب مرتبطة بحالة التبعية وتلقائية التبعية وطاعة التبعية.
معرفة الله: (Γινώσκω)
• ماذا يعني "لا تعرف صوت الغرباء"؟ هنا ستفهم "لا تعرف صوت الغرباء" في النص الذي سنأتي إليه الآن. هذا النص وهو العدد 15: "خرافي تعرفني". كيف تعرفك؟ "كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ." (يو 10: 14-15): الفعل الذي استعمله الرب في هذا العدد 15، الذي ربطه بـ"كما أني أعرف الآب والآب يعرفني": "كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ." (يو 10: 15).
• فكيف تعرفني خرافي؟ كيف تعرفني؟ كما أعرف الآب والآب يعرفني وأنا أعرف الآب. الفعل الذي استعمله الرب في اليونانية هو: "جينيسكو – γινώσκω" ماذا يعني؟ عندما تتحدث الترجمة السبعينية عن "وعرف آدم امرأته": "وَعَرَفَ آدَمُ حَوَّاءَ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ قَايِينَ. وَقَالَتِ: «اقْتَنَيْتُ رَجُلًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ»." (تك 4: 1). استعمل هذا الفعل أيضا فمعناه لا يعني معرفة تمييز الأشياء، مثل: أنا أعرف اللون الأحمر من الأخضر، لكن هي المعرفة الذاتية. أعرفه. يقال لك: أنت تعرف فلانًا؟ فتقول: نعم أعرفه. فيقال لك: عاشرته؟ فتقول: ما عاشرته. فيقال لك: لا، أنت لا تعرفه. أنت لا تعرف طباعه. أنت لا تعرف كيف يفكر. أحاول أن أقرب لك كلمة "المعرفة الذاتية". لكن المعرفة الذاتية لا تعني أنني أعرف طباعه وكيف يفكر. لا، المعرفة الذاتية معناها أنني أنظر إلى داخله، أراه من داخله. يا له من أمر! المعرفة الذاتية معناها أنني أنظر إلى داخله!!
• لكنك قرأت للتو أنه يقول: "كما أعرف الآب والآب يعرفني، هكذا أعرف خاصتي وخاصتي تعرفني": "كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ." (يو 10: 15): هل تريد القول إن خاصته تعرفه، أي تنظر إلى داخله، تنظر إلى داخل الله؟ إنجيل العهد الجديد هو الذي قال ذلك. لكن ضعف المعرفة لدينا أو الاستيعاب للعهد الجديد هو الذي جعلنا لا نعرف أن الرسول بولس قال: "وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ،" (1 كو 2: 12) وفي كورنثوس الأولى الإصحاح الثاني من العدد السادس إلى العدد السابع يقول: "لكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ الْكَامِلِينَ، وَلكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هذَا الدَّهْرِ، وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هذَا الدَّهْرِ، الَّذِينَ يُبْطَلُونَ. بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ، الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هذَا الدَّهْرِ، لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ. بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ». فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ. لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ. وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ، الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضًا، لاَ بِأَقْوَال تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ، قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ." (1 كو 2: 6-13).
• هل رأيت الآن ماذا يعني "أخذنا الروح القدس"؟ الناس التي لا تستطيع أن تصدق ولا أن تقبل أننا نلنا الروح القدس. ليس فقط نلنا الروح القدس، وليس فقط صرنا مسكنًا لله في الروح، وليس فقط أنتم هيكل الله: "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1 كو 3: 16): بل بالروح الذي نلناه نعرف الأمور الموهوبة لنا من الله، لأن الروح الذي نلناه يفحص كل شيء حتى أعماق الله. هل أدركت كيف أصبحت أنظر إلى داخل المسيح، أراه معرفة ذاتية؟ نعم، أصبحت أراه وأعرفه معرفة ذاتية، وأراه من داخله.
ثمار المعرفة العميقة والتبعية
• هذا هو! هذا هو معنى: "خرافي تعرفني وأنا أعرفها كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب". "كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ." (يو 10: 15): لا تنسَ ما قاله: "وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ." (مت 11: 27).
فلا يستطيع أحد أن يعرف الابن إلا من أراد الابن أن يُعلن له. وهذا ما يحدث لخرافه التي اختارت أن تطيع صوته وتقبل إليه وتتبعه. فيُقيم معها علاقة شخصية، هي علاقة العرس، الاتحاد، وأن يُعلن ذاته. هل عرفت الآن ماذا يعني "خرافي تسمع صوتي"؟
• سأنتقل الآن مباشرة إلى التطبيق العملي للآية "وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي." (يو 10: 27) و هو "وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي." (يو 10: 28). و أيضا العدد 29: "أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي." (يو 10: 29)
- العدد 28: "وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً".
- العدد 28 أيضًا: "وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ".
- العدد 28 أيضًا: "وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي." (يو 10: 28).
• من أبرز هذه التطبيقات و هو الأمر الذي أود شرحه بشدة هو اختبار الرسول بولس. فلننتقل الآن إلى سفر أعمال الرسل، أعمال 22: 12-15: "ثُمَّ إِنَّ حَنَانِيَّا رَجُلًا تَقِيًّا حَسَبَ النَّامُوسِ، وَمَشْهُودًا لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْيَهُودِ السُّكَّانِ أَتَى إِلَيَّ، وَوَقَفَ وَقَالَ لِي: أَيُّهَا الأَخُ شَاوُلُ، أَبْصِرْ! فَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِلهُ آبَائِنَا انْتَخَبَكَ لِتَعْلَمَ مَشِيئَتَهُ، وَتُبْصِرَ الْبَارَّ، وَتَسْمَعَ صَوْتًا مِنْ فَمِهِ. لأَنَّكَ سَتَكُونُ لَهُ شَاهِدًا لِجَمِيعِ النَّاسِ بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ." (أع 22: 12-15): أدركت الآن أن سر الرب لخائفيه: "سِرُّ الرَّبِّ لِخَائِفِيهِ، وَعَهْدُهُ لِتَعْلِيمِهِمْ." (مز 25: 14)، أما الذين لا يخافون فلا يعرفون سر الرب، ولا يعرفون مشيئته. ماذا يعني "تعلم مشيئته"؟ يعني ستكون مطلعًا على مشيئته. كيف؟ فقد أخذت الروح القدس الذي يفحص أعماق الله فيأخذ مما له ويخبرني: "ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ." (يو 16: 14)، فماذا يعني "يأخذ مما له ويخبرني"؟ ها هي ذي: تعلم مشيئته، تعرفه معرفة كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب، هكذا خرافي تعرفني وأنا أعرفها: "كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ." (يو 10: 15): لا أعرف كيف أقولها بلغة بشرية، لكنه قالها. إنه كلام عظيم جدًا، لكنه قاله. ماذا أفعل؟ "فَقَالَ: إِلهُ آبَائِنَا انْتَخَبَكَ لِتَعْلَمَ مَشِيئَتَهُ، وَتُبْصِرَ الْبَارَّ، وَتَسْمَعَ صَوْتًا مِنْ فَمِهِ. لأَنَّكَ سَتَكُونُ لَهُ شَاهِدًا لِجَمِيعِ النَّاسِ بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ." (أع 22: 14-15):
- إله آبائنا انتخبك لتعلم مشيئته.
- وتبصر البار
- وتسمع صوتًا من فمه. "لأنك ستكون شاهدًا بما رأيت وسمعت" (أع 22: 14-15).
• ما الفرق بين أن تسمع صوتًا من فمه وتعلم مشيئته ثم تشهد، وبين أن تقرأ الإنجيل، فهذا صوتًا من فمه ثم تذهب لتبشّر؟ نعم، الإنجيل صوتًا من فمه. الذي سمعه هو الذي كتب الإنجيل، ليس أنت. والذي كتب الإنجيل هو الذي نقله لك. فأنت تسمع صوتًا من فمه من خلال الإنجيل بطريقة غير مباشرة (Second hand): فهل يختلف هذا عن أن أسمع صوتًا من فمه مباشرة وأعرف مشيئته مباشرة؟ وأن أكون ناظرًا في أعماق الله وليس أستنتج من كلام الإنجيل؟ نعم بالطبع! ما الفرق؟ هذا هو الفرق بين الآلاف ومئات الخدام وبين فئة الرسول بولس، و هذا هو الاختبار المسيحى، أن يرتقي حسنا الروحي إلى اختبار الإنجيل، فاختبار الإنجيل ليس أنك قرأت كلمة الله في الإنجيل وأصبحت مبشرًا كما يفعل الآلاف حول العالم. وهذا الذي قال عنه بالفعل "أن أَنْبِيَاءَ وَأَبْرَارًا كَثِيرِينَ اشْتَهَوْا أَنْ يَرَوْا مَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا." (مت 13: 17): ماذا يسمعون؟ يسمعون الصوت الذي يأخذ الروح القدس مما له ويخبرهم، يُسكبه فيهم: الاستماع هنا هو حالة من المعاينة، ليس من المعرفة السمعية. الاستماع هنا هو حالة من الرؤية. "يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ." (يو 16: 14).
• لقد عبّر الرسول بولس عن هذه الفكرة: كولوسي 4: 3-4: "مُصَلِّينَ فِي ذلِكَ لأَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضًا، لِيَفْتَحَ الرَّبُّ لَنَا بَابًا لِلْكَلاَمِ، لِنَتَكَلَّمَ بِسِرِّ الْمَسِيحِ، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَنَا مُوثَقٌ أَيْضًا، كَيْ أُظْهِرَهُ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ." (كو 4: 3-4): هل ترى الفرق بين "نتكلم بسر المسيح" ونقول "كلام الرب بينما نقرأ الكتاب المقدس"؟ هل تستطيع رؤية الفرق؟ "لنتكلم بسر المسيح". سيبدو أكثر وضوحًا الآن: "الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَنَا مُوثَقٌ أَيْضًا" "مُصَلِّينَ فِي ذلِكَ لأَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضًا، لِيَفْتَحَ الرَّبُّ لَنَا بَابًا لِلْكَلاَمِ، لِنَتَكَلَّمَ بِسِرِّ الْمَسِيحِ، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَنَا مُوثَقٌ أَيْضًا، كَيْ أُظْهِرَهُ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ." (كو 4: 3-4): فهذا من أجل سر المسيح. كولوسي 4: 4: "كَيْ أُظْهِرَهُ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ." (كو 4: 4): أُظهر من؟ أُظهر الابن، أُظهر ابن الله، أُظهر الله. "أظهره" هذه في الترجمة اليسوعية مكتوبة: "فأُعلِنَه كما يَجِبُ علَيَّ أَن أُبَشِّرَ بِه." (كولوسي 4: 4 الترجمة اليسوعية): فأظهره وأعلنه، فنحن نتكلم عن ابن الله. فـ "كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ." (مت 11: 27): فلا يمكن أن أظهره إلا إذا عرفته. ولا يمكن أن أعرفه إلا إذا هو أظهر نفسه لي. ولن يظهر نفسه لي إلا إذا: "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي»." (يو 14: 21).
• إذًا، هنا يوجد سر المسيح وسر الاستماع لصوت الابن الكلمة، الذي ليس كلمات. لكن هذا الاستماع هو إعلان، هو انكشاف على أعماق الله، هو معرفة أعماق الله بالروح القدس، هو معرفة سر الله، مشيئة الله. معرفة من هو الله؟ و هذا هو السؤال الملحّ، الذى لم يستطع كثير من اللاهوتيين إجابته حتى الآن: من هو الله؟ فلتجب على السؤال: من هو الله؟ الحالة الوحيدة التي ستعرف أن تجيب على السؤال هي إذا كنت قد دخلت في سر المسيح، إذا كنت قد عرفته هذه المعرفة المباشرة. "خرافي تعرفني وأنا أعرفها، كما أني أعرف الآب والآب يعرفني".
التحول من السمع إلى الرؤية ثم الاتحاد
• هل ترى مستوى المعرفة؟ "تسمع صوتًا من فمه": "فَقَالَ: إِلهُ آبَائِنَا انْتَخَبَكَ لِتَعْلَمَ مَشِيئَتَهُ، وَتُبْصِرَ الْبَارَّ، وَتَسْمَعَ صَوْتًا مِنْ فَمِهِ." (أع 22: 14): نعرف الأشياء، الروح القدس الذي فينا يعرف، يفحص كل شيء حتى أعماق الله: "فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ." (1 كو 2: 10)
• هنا يتحول الاستماع إلى رؤية. الرؤية ليست رؤى أو نحوها. الرؤية هنا انكشاف على سر المسيح، معرفة. وهذه الرؤية تتحول إلى الحب. "عَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ." (يو 17: 26): وهذا هو الذي تكلم عنه يوحنا المعمدان، ماذا قال؟: "مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ." (يو 3: 29): لماذا صوت العريس مفرحك هكذا؟ فصوت العريس هو الذي سيُقيم العرس.
طريق الوصول إلى الاختبار الحقيقي
• "إذًا فرحي هذا قد كمل." (يو 3: 29). قد تقول لي: "فقد نقول لم نصل إلى الكلام الذي تقوله هذا". فالأمل أن تصل إليه في الأبدية بالطبع. ولكن، إذا استطعت الوصول إلى هذا الاختبار وأنت هنا على الأرض وتطّلع على سر المسيح، فأنت ستبدأ بطريقة باكورية اختبار العرس والاتحاد بالمسيح هنا على الأرض. هذا هو سر الإنجيل، هذا هو سر مفتاح إنجيل يوحنا: الرؤية، المعرفة، الانكشاف على الحقيقة المخفاة عن العيون. من هو الله؟ من هو الآب؟ من هو المسيح؟ ماذا في داخله؟ ما الذي في داخله؟ هذا هو ما يسمى "سر الرب الذي لخائفيه، ولهم يعلن عهده.": "سِرُّ الرَّبِّ لِخَائِفِيهِ، وَعَهْدُهُ لِتَعْلِيمِهِمْ." (مز 25: 14).
• سر الرب لخائفيه ولهم يُعلن عهده، هذه هي بدايات "مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ." (يو 3: 29). وبدايات "أَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ." (يو 10: 14).
• أريد أن جميعكم بنعمة المسيح تدخلوا إلى هذا السر. وسأخبرك بالطريق من أين، كما شرح الإنجيل. وطبعًا آباء كثيرون تكلموا عن اختبار الرؤية والاستماع والدخول في الآية. فكلمات مثل "الاستمتاع" و"التلذذ" أصبحت كلها تعبيرات بسيطة جدًا. لكن الموضوع هو أن تؤخذ في الحب والاستغراق والإعلان. إننا نتكلم عن الله. تُسلب فيه أي تجده نهر سباحة متجدد إلى أبد الآبدين: "ثُمَّ قَاسَ أَلْفًا، وَإِذَا بِنَهْرٍ لَمْ أَسْتَطِعْ عُبُورَهُ، لأَنَّ الْمِيَاهَ طَمَتْ، مِيَاهَ سِبَاحَةٍ، نَهْرٍ لاَ يُعْبَرُ." (حز 47: 5): فمعرفته لا تنتهي. والفرح والحب الذي فيه لا ينتهيان. والأسرار التي فيه والحكمة التي فيه لا تنتهي. فأنت تجد كل يوم جديدًا داخل هذا الإعلان، وغدًا يوجد جديد وبعده جديد. فالحب والإعلان يجتذبك إلى العمق، إلى أعماق الله، لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله: "فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ." (1 كو 2: 10):
- البداية من الوصية: "مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا." (مت 5: 39)، "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا." (مت 5: 39)، "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،" (مت 5: 44).
- الخطوة التالية هى الطاعة: فالإنجيل كل يوم والطاعة كل يوم. الطاعة هي التي ستدخلك بالتدريج إلى أعماق الشركة.
• فماذا عليك إذًا؟ أمران: الإنجيل والطاعة. لكن تقرأ الإنجيل كما قلت لك بماذا؟ باتضاع وخضوع. وتقول له: فهمني واشرح لي. وتقارن النصوص ببعضها، والكلمات ببعضها. وتُحضر الترجمات وتقارن الترجمات ببعضها. بالطبع، إذا كنت تعرف اليونانية، فالأمر سيكون أقرب بكثير. لكن الطريق الأسهل هو: أن تحضر عدة ترجمات بالإنجليزية إذا كنت تعرف الإنجليزية، مع عدة ترجمات بالعربية، وأهمها بالطبع الترجمة اليسوعية. وكلها تُعين بعضها وتقارن: هذه المقارنة مع الصلاة والطاعة سوف تجعلك فى الطريق الصحيح.
• انتبه، لو كسرت الطاعة، الروح سيحزن. ولو أحزنت الروح القدس، من الذي سينيرك؟ من الذي سيخبرك؟ من الذي سيفرحك؟ إذًا! فلتعتد على أن تعطي حياتك للطاعة. حينما يقف العالم كله أمامك والإنجيل يقول شيئًا، ستفعل ما يأمر به الإنجيل. حينما يقطعونك إربًا، تُقطع إربًا، ولكن صل إلى المسيح. وهكذا. هل يُعقل أن خدام المسيح الذين تعلموا الحق لا يطيعون! إنه لأمر جارح جدًا.
• هو سينقلك من الاستماع إلى الفهم إلى المشورة إلى الحكمة إلى المعرفة. والمعرفة ستأخذك إلى الحب، والحب سيأخذك إلى العرس. وهكذا يفرح يوحنا المعمدان مرة جديدة من أجل صوت العريس.
• كان هناك حديث آخر عن صوت المسيح، لكنني شرحته من قبل. "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ." (يو 5: 25). وهي "وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلًا حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ،" (أف 2: 1-2). وهي يخرج الذين في القبور. يسمع الذين في القبور صوته فيخرجوا الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة: "لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ،" (يو 5: 28).
• هنالك أيضا "الَّذِي صَوْتُهُ زَعْزَعَ الأَرْضَ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَعَدَ قَائِلًا: «إِنِّي مَرَّةً أَيْضًا أُزَلْزِلُ لاَ الأَرْضَ فَقَطْ بَلِ السَّمَاءَ أَيْضًا»." (عب 12: 26). وسنشرح بنعمة المسيح ماذا يعني "السماوات أيضًا"، وكيف "زعزع السماوات أيضًا".
الموضوع مليء بالأسرار. أسرار الإعلان، وأسرار ملكوت السماوات، ومشيئة الله، وما يخبئه: ما لم ترَ عين، وما لم تسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر: "بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ»." (1 كو 2: 9). هذه هى مشيئة الله من نحونا الذي يُعلنه لنا. هذا هو صوته، ليس صوته كلامًا. صوته هو الإعلان الذي بالروح القدس يُعلنه لنا.
عنوان المحاضرة القادمة "أنا الكرمة الحقيقية"