كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة الثامنة | أعمال الآب وأعمال إبليس
Aug 04, 2025 4
980 79

كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة الثامنة | أعمال الآب وأعمال إبليس

مقدمة لا بد منها:

  • لقد تغيّر التاريخ بعد القرن السابع، حين كانت مدرسة الإسكندرية وآباءها، وكذلك الآباء الكبادوكيون، هم من يصدرون التعليم للعالم. لكن هذه المنطقة كلها وقعت تحت الحكم الإسلامي، وتغيّرت أحوالها تغيّرًا كبيرًا، وآلت الحالة الثقافية إلى شيء مختلف، فانقطع بذلك التيار الفكري الشرقي الذي كان يغذي العالم المسيحي. 
  • ثم جاءت حركة الإصلاح البروتستانتية بقيادة مارتن لوثر، الذي كان أستاذًا للكتاب المقدس، ودكتورًا في اللاهوت، وكان يجيد العبرية واليونانية. ولما أراد البابا حرمانه، قام أحد الأمراء بخطفه إلى قلعة لحمايته، حيث مكث فيها قرابة أربع سنوات، ترجم خلالها الكتاب المقدس بعهدَيه إلى اللغة الألمانية، وجعل كل الناس تقرأه. وهذه كانت خطوة جيدة، أن يُتاح الكتاب للجميع.
  •  لكن مع انتشار الطباعة وضم العهدين في كتاب واحد، نشأ في الواقع المسيحي ما يُعرف اليوم باسم "الكتاب المقدس". وقد يسأل البعض: هل لم يكن هناك كتاب مقدس منذ بدء التاريخ المسيحي؟ والإجابة: لا، هذا المفهوم بدأ سنة 1455 بعد مطبعة جوتنبرج.
  • الكنيسة المسيحية كانت تمتلك العهد الجديد، والمخطوطة الإسكندرانية المحفوظة في جامعة أوكسفورد، مكتوبة باللغة اليونانية، وهي للعهد الجديد فقط. والكنائس المسيحية، وليس فقط الكنائس الأرثوذكسية، لم تكن تقرأ، وما زالت حتى اليوم لا تقرأ إلا العهد الجديد. أما العهد القديم، فلا يُقرأ منه إلا النبوات في المناسبات، مثل صلوات اللقان في أسبوع الآلام.
  • كان أي فلاح مسيحي في مصر يواظب على حضور القداسات كل أسبوع، فتجده حافظًا وعارفًا للعهد الجديد كله، بسبب التكرار المستمر للقراءة من الكتاب المسمى "الكاطاميروس". وهذه الكلمة تعريبية، فليس هناك شيء اسمه "قاطامروس"، بل هو "كاطا-ميروس"، أي "المقسّم حسب النصيب اليومي". فكلمة ميروس تعني "نصيب"، وكاطا تعني "حسب"، أي المقسّم لكل يوم، فبفضل هذا الكاطاميروس الرائع، صار العهد الجديد مقروءًا ومسموعًا ومحفوظًا في قلوب السامعين من كثرة التكرار.
  • ثم بعد حركة الإصلاح، وبعد مطبعة جوتنبرج، وبعد انتشار الطباعة، تغيّرت الخريطة السياسية، وصارت بريطانيا ومن بعدها أمريكا هما من يقودان العالم. وظهرت الحركات التهويدية التي اخترقت المجتمع المسيحي. وقد انصب هذا التأثير على أوروبا، في الفاتيكان وفي إنجلترا، ومن إنجلترا ظهر جون داربي في بلايموث جنوب غرب إنجلترا، وهو من قاد حركة "الإخوة"، وهي حركة تهويدية بالكامل.
  • ما فعله جون داربي، وانتشر لاحقًا في أمريكا ومنها إلى العالم، هو فكرة أن الكتاب المقدس هو كتاب واحد، وأنه المرجعية المطلقة للمسيحية. للأسف، لم يقل ولم يعرف أن يقول إننا نقرأ العهد القديم بعيون العهد الجديد، كما علّمنا المسيح له المجد: "قيل للقدماء، أما أنا فأقول لكم". لكن ما حدث هو العكس، حيث اختلطت المفاهيم بين القديم والجديد، وهذا ما نراه اليوم في الكنائس البروتستانتية، بل وفي كثير من الكنائس الأرثوذكسية التي لم تتعلم على مدرسة الآباء، فاختلطت فيها الأمور بين العهدين.


أعمال الآب و أعمال إبليس:

  • هناك خلط بين أعمال الآب وأعمال إبليس، وهذا الخلط مصدره العهد القديم. ولا تسألني كيف ولماذا، لأن العهد القديم، في نهايته، يقدّم لنا الكلمة النبوية التي يجب أن ننتبه إليها، كما إلى سراج منير في موضع مظلم، إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبنا: "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ" (2 بط 1: 19).
  • فالمقارنة بين النور الذي كان موجودًا في الكلمة النبوية، وبين الكلمة الأزلي الذي أُظهر لنا في العهد الجديد، هي كالمقارنة بين السراج وشمس النهار. والذين عاشوا في صعيد مصر يدركون جيدًا معنى السراج، أي "لمبة السرج" التي تعتمد على فتيلة تُغمس في الزيت، أداة بدائية وبسيطة مقارنةً بضوء الشمس الساطع.


أعمال الآب كما أعلنها المسيح في يوحنا 5:

  • يوحنا 5: 21 لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضًا يحيي من يشاء. "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ." (يو 5: 21). هنا نرى أولى الأعمال: الآب يُحيي ويُقيم من الأموات. على عكس ما ورد في العهد القديم في: صموئيل الأول 2: 6 الرب يميت ويحيي. يهبط إلى الهاوية ويُصعد. "الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ." (1 صم 2: 6). وكذلك: عاموس 3: 6 هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعها؟ "أَمْ يُضْرَبُ بِالْبُوقِ فِي مَدِينَةٍ وَالشَّعْبُ لاَ يَرْتَعِدُ؟ هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟" (عا 3: 6): هذه الصياغات لم تعد موجودة في إعلان العهد الجديد؛ فلا خلط بين أعمال الآب وأعمال إبليس.
  • نقل الإنسان من الموت إلى الحياة: يوحنا 5: 24 الحق الحق أقول لكم: إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة.: "«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ." (يو 5: 24) و يوحنا 5: 28-29 تأتي ساعة يسمع فيها جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة. "لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ." (يو 5: 28-29): الآب إذًا هو الذي يحيي وينقل الإنسان من الموت إلى الحياة.


قصة المولود أعمى: مواجهة بين العهد الجديد والموروث اليهودي: 

  • المولود أعمى لم يكن شخصًا أُصيب بالمرض، بل لم تكن له عينان أصلًا، مما يُظهر جذرية المعجزة التي صنعها المسيح.فحين أُحضر المولود أعمى، التلاميذ، وهم يمثلون العقلية اليهودية التقليدية، سألوه: يوحنا 9: 2 يا معلم، من أخطأ: هذا أم أبواه حتى وُلد أعمى؟ "فَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟»" (يو 9: 2): السؤال ينبع من خلفية التلمود الذي تأثر بالبوذية وكان يؤمن بتناسخ الأرواح، ففسَّروا العمى بأنه نتيجة خطيئة ارتكبت في حياة سابقة.أما الاحتمال الثاني: "أم أبواه؟" فكان تصورهم أن الآب السماوي عاقب الأبوين بأن وهبهم طفلًا أعمى.
  • وهذه هي صورة الإله في الموروث اليهودي: هذه الصورة ترى أن الإله يقتل، ويسبي، ويغرق البشرية بالطوفان، ويعاقب الطفل في رحم أمه بقسوة، وكل ذلك بناءً على نمط فكري مظلم، لا يعرف أن اسم الله هو الآب: أيديولوجية الناموس تتعامل مع الخطية بنمط العقوبة القاسية، حتى على الأبرياء.
  • مع تقدم الطب اليوم، نعرف أكثر من عشرين سببًا لتشوّه الأجنة، مثل السكّري، الإدمان، وغيرها من الأسباب الطبية. ولكن المجتمع آنذاك كان غارقًا في الخرافة والجهل، يقرأ النصوص القديمة بدون غربلة لاهوتية واعية. فإجابة الرب، واضحة: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه. في نص يوحنا 9: 3–4، "أَجَابَ يَسُوعُ: «لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ. يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ." (يو 9: 3-4).

 

إعادة قراءة يوحنا 9: 3–4:

بين التقسيم البشري والفهم الروحي: الكتاب المقدس لم يُكتب أصلاً مقسمًا إلى أصحاحات وآيات، بل جُمعت هذه التقسيمات لاحقًا عبر اجتهاد بشر مؤمنين سعوا لتيسير القراءة والمرجعية. لذا، فالآيات الحالية ليست وحيًا منزّلًا بل بنية تفسيرية بشرية،فالقراءة السائدة للنص بناءً على هذه التقسيمات تقود إلى نتيجة خاطئة تقول: إن هذا الإنسان وُلد أعمى لكي تظهر أعمال الله فيه. وهي قراءة تصب في ذات المأساة الفكرية التي تتسرب من الموروث اليهودي، وامتدّت حتى إلى من قسّم وترجم النص، فالتقسيم السليم ينبغي أن يكون هكذا:الآية 3: "أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه." هذه جملة كاملة تنفي كل منطق العقوبة الموروث، وتضع حدًا لفكر الناموس الذي يربط العمى بالخطيئة، سواء السابقة أو الوراثية، الآية 4: "لكن لتظهر أعمال الله فيه، ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني." هذه العبارة تفتح أمامنا معنى جديدًا: أن أعمال الله تتجلى من خلال عمل المسيح نفسه، لا عبر عقوبة أو تشوّه خلقي متعمد.

  • النور الإلهي في مواجهة الظلمة العقائدية: فالقول بأن "وُلد أعمى لكي تظهر أعمال الله فيه" يعكس فهمًا مشوّهًا لله كمعاقب للأطفال والضعفاء، وهو تصور أسهم فيه التراكم العقلي الموروث من التلمود وتناسخ الأرواح، حيث سادت رؤى لا تمت لجوهر المحبة الإلهية بصلة، لكن الرب، بشخص المسيح، ينير ظلمة هذا الفكر، ويكشف أن أعمال الآب ليست عقوبة، بل حياة؛ ليست موتًا، بل شفاء؛ ليست إدانة، بل خلاص.
  • لا هذا أخطأ ولا أبواه." (يو 9: 3): هذه الفكرة التي سادت الفكر اليهودي الناموسي مرفوضة تمامًا من قِبل المسيح. ليس المولود أعمى نتيجة خطيئة شخصية أو وراثية، بل جاء إعلان جديد: لكن لتظهر أعمال الله فيه، ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني." (يو 9: 3–4): هذه هي أعمال الله: فتح أعين العميان، منح البصر لإنسان وُلد أعمى، خلق عينين من عدم، باستخدام نفس مادة الطين التي خُلق منها الإنسان في سفر التكوين. هنا نرى الخلق من جديد، ليس كعقوبة، بل كإعلان حضور الخالق الذي يُحيي ويُجدد.
  • من سلطان الموت إلى سلطان الحياة: إذن، ليست أعمال الله هي العمى، أو التشوه، أو الموت. أعمال الله هي: الرؤية حيث لا بصر، الحياة حيث اجتاح الموت، الخلق حيث ساد النقص: هذه قراءة نبوية للحدث، تنزع فتيل الفهم العقابي، وتُظهر وجه الآب المُحيي الذي يعمل في شخص المسيح ليعيد للإنسان صورة النور الأول.

 

الموت ليس من أعمال الله، بل من سلطان إبليس:

السؤال الذي يُطرح: لمن يُنسب الموت في العهد الجديد؟ الإجابة اللاهوتية الواضحة: الموت يُنسب لإبليس: لكي يُبيد بموته، بالموت، ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس. "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ،" (عب 2: 14): فالناس تربّت على فكر خاطئ بأن الله هو "مالك الحياة والموت". ولكن، الله ليس فيه موت لكي يُميت، لأن الموت دخل إلى العالم بحسد إبليس، لا بالله. الموت ليس عملًا إلهيًا، بل نتيجة للخطية التي جاء بها إبليس: كما أن الخطية دخلت إلى العالم بإنسان واحد، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ." (رو 5: 12): ومن ثم، الموت ليس منسوبًا لله، بل هو ثمرة خطية الإنسان وعمل إبليس.

  • إيليا والنار: بين تفويض العهد القديم وإعلان المسيح: في لوقا 9: 54، بينما كان الرب يسوع في طريقه إلى السامرة ورفضه السامريون، قال يعقوب ويوحنا: يا رب، أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم، كما فعل إيليا أيضًا؟ : "فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، قَالاَ: «يَا رَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضًا؟»" (لو 9: 54): المفهوم السائد في التراث اليهودي هو أن ما فعله إيليا كان من أعمال الله. ولكننا هنا نقف لنطرح سؤالًا لاهوتيًا حادًا: هل كانت هذه الأعمال من الله فعلًا؟
  • تفويض النبي في العهد القديم: إيليا، كما موسى، فُوِّض أن يقود الشعب ويرده إلى الله. وبما أن النبوة كانت في إطار التدبير الناموسي، فقد أُعطي إيليا حق التشريع والسلطان، ومن ضمنه إنزال نار من السماء. ولكن إيليا نفسه، كغيره من البشر، كان يسكن في الظلمة وظلال الموت، لذا لا يُستغرب أن يُفني الناس بالنار. 
    ومع ذلك، هذه ليست أعمال الله في جوهرها، بل أعمال تنتمي إلى مرحلة قبل الإعلان الكامل للرحمة في شخص المسيح.
  • إعلان المسيح ينسف روح القتل: ردّ المسيح على اقتراح يعقوب ويوحنا كان حاسمًا: "فَالْتَفَتَ وَانْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ». فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى." (لو 9: 55–56). 
    المسيح هنا يُعلن خطًا فاصلاً بين النبوة القديمة والنعمة الجديدة. رفضُه لفكرة الإهلاك يظهر الفرق الجوهري بين الروح القتّال والروح المُحيي.
  • من يتكلم من روح إبليس؟ كما قال المسيح لبطرس:اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ." (مت 16: 23): فالمؤمن، ولو كان خادمًا مملوءًا بالروح، إن سمح للغضب أن يستولي عليه، يتكلم من روح إبليس. يحدث أن يفقد السيطرة، ويتجاوز الحق، ثم يشعر بأنه أهدر القداسة وتكلّم من روح لا تُشبه الله.
    تذكّر أن في ذلك الوقت، كان التلاميذ لم يمتلئوا بعد بالروح القدس، فكان من السهل أن يقعوا تحت تأثير الروح الشرير، حتى وهم يظنون أنهم يطلبون مجد الله.
    المسيح لم يأتِ ليُهلك، بل ليُخلِّص. سلطان العهد القديم كان مؤقتًا، لكنه لا يُعبّر عن قلب الآب الذي أعلنه المسيح في المحبة، والرحمة، والنعمة التي تُنقذ لا التي تُفني. التمييز بين روح القتل وروح الحياة هو ما ميّز إعلان يسوع عن التراث النبوي السابق.
  • المسيح لم يوافق أن يعمل كما إيليا 
    - أولًا، المسيح لم يوافق أن يتصرف كما فعل إيليا، ولم يقبل اقتراح التلاميذ بأن يُفني السامريين بالنار من السماء.
    - ثانيًا، عرّف رغبة التلاميذ بأنها ليست من روح الله، بل من روح إبليس: "فَالْتَفَتَ وَانْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ». فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى." (لو 9: 56).
    - ثالثًا، المسيح نفسه حدّد رسالته: "لم يأتِ ليهلك أنفس الناس بل ليخلّص" — وهنا نرى المفاصلة الحاسمة مع صورة الإله المُهلك التي ورثها الفكر اليهودي: عندما كتب موسى النبي عن الطوفان في سفر التكوين، نسب الإفناء الجماعي إلى الله، وقال إن الله ندم وقرر إفناء البشرية بطوفان. ولكن المسيح، عندما أشار إلى حادثة الطوفان، لم ينسب الحدث إلى الله الآب، بل جاء الفعل مبنيًا للمجهول: "كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيُزَوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ الْفُلْكَ، وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ." (لو 17: 27).
    لا نقرأ هنا أن الله هو الفاعل كما في رواية التكوين، بل نلاحظ أن المسيح امتنع عن نسبة الفعل لله، فالمسيح يقولها بوضوح:"لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ». فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى." (لو 9: 56).وبهذا يُعيد تعريف أعمال الله في ضوء شخصه، ويصحّح التصورات التي نشأت في ظلال الناموس والتقليد الأدبي القديم.
  • لوقا 13: 32، حين قالوا للرب يسوع إن هيرودس يريد أن يقتله: "فَقَالَ لَهُمُ: «امْضُوا وَقُولُوا لِهذَا الثَّعْلَبِ: هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ، وَأَشْفِي الْيَوْمَ وَغَدًا، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أُكَمَّلُ»." (لو 13: 32) هذه هي أعمال الله:إخراج الشياطين - شفاء المرضى - إقامة الموتى - خلاص النفوس وليس الهلاك أو الإبادة.

 

إعلان وحدة العمل بين الآب والابن، يوحنا 5:

  • في يوحنا 5: 19، قال المسيح:الحق الحق أقول لكم: لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا إلا ما ينظر الآب يعمل، لأن مهما عمل ذاك، فهذا يعمله الابن كذلك. "فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ." (يو 5: 19): وهنا لا تعني العبارة أن الابن أقل من الآب، بل تكشف وحدة المشيئة: أنا والآب واحد. لأن "مهما عمل الآب، فهذا يعمله الابن كذلك"  المفتاح هنا هو "مهما"، تعبير مفتوح يؤكد الاستقلال ضمن الوحدة الإلهية.
  • أعمال الآب هي الحياة: لأن كما أن الآب يُقيم الأموات ويُحيي، كذلك الابن أيضًا يُحيي من يشاء. "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ." (يو 5: 21). أعمال الآب ليست هلاكًا، بل حياة. وكذلك الابن يعمل نفس الأعمال: يحيي، يُقيم، يُخلّص، لا يُهلك.
  • أعمال المسيح تعكس طبيعة الآب: "يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ." (أع 10: 38). هذه أعمال الآب في الابن: يصنع خيرًا - يشفي المتسلط عليهم - يُعلن الخلاص من سيادة إبليس

 

سر الإنجيل: الامتداد في الكنيسة

  • قال يسوع: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا، لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي." (يو 14: 12).
  • وهذا هو الجوهر: الآب يعمل - الابن يعكس العمل - والكنيسة، في اتحادها بالابن، تُنفّذ ذات الأعمال وتُكمل الإعلان.
  • العلامات التي تتبع المؤمنين: يُخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة... ويضعون أيديهم على المرضى فيبرؤون. "وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئًا مُمِيتًا لاَ يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ»." (مر 16: 15-18): اشفوا مرضى، طهّروا برصًا، أقيموا موتى، أخرجوا شياطين. "اِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصًا. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ. مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا." (مت 10: 8).
    وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ." (مت 28: 19): هذه هي شهادة الإنجيل، وهذه هي علامات الملكوت.

 

شهادة الكنيسة بأعمال الروح القدس:

"شَاهِدًا اللهُ مَعَهُمْ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَمَوَاهِبِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، حَسَبَ إِرَادَتِهِ." (عب 2: 4): فالبرهان ليس بالكلمات فقط، بل بالأعمال:"إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي." (يو 10: 37): فأعمال الابن في الكنيسة تُظهر أنه حي، وأنه يعمل، وأن الشهادة عنه حقيقية. للأسف الشديد، وبسبب الضعف الروحي الذي يسود في هذه الأيام، بدلًا من أن تُضرم المواهب كما ينبغي، صار من يتكلّم عن المواهب يُتهم بالكبرياء! وأصبح يُقال: "الروح القدس لا يحلّ فينا"، بل يُستهجن ويُرفض أن يُعلن أحدهم أن الروح القدس حلّ فيه وكأن هذا القول يُعتبر أنه يدّعي الألوهية! كلام مؤلم، لا يليق حتى أن يُعاد، ولكنني أذكره مضطرًا لأنه أصبح شائعًا، رغم أنه ضد الحق.

 

الحق يُعلن: المسيح فينا بالروح القدس:

الحق هو أن المسيح حلَّ فيَّ بالروح القدس، ولذلك تُصنع الأعمال الإلهية. وهذه الأعمال ليست مجرد مظاهر، بل هي برهان حي على صدق شهادتي، وعلى صدق الإيمان بابن الله. لأنه لا أحد يقدر أن يعمل هذه الأعمال إلا الله: منذ البد لم يُسمع أن أحدًا فتح عيني أعمى، فكيف تقولون إنه ليس من الله؟: "مُنْذُ الدَّهْرِ لَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا فَتَحَ عَيْنَيْ مَوْلُودٍ أَعْمَى." (يو 9: 32). وهذه شهادة الرجل الأعمى التي صارت إعلانًا نبويًا أمام الجميع.

  • أزمة فهم المواهب في عصور الضعف: دائمًا، حين نقرأ في السنكسار، نجد العبارة الشهيرة: وقد شرفه الله." ولكن... شرفه بماذا؟ ليست القضية قضية تشريف، بل هي وعد الإنجيل الذي يقول إن الله يعطي مواهب، وتُعمل بها معجزات. إذا قيل: "شرفه، عمل معجزات"،  فهذه ليست مسألة تشريف، بل شهادة إلهية تمت وفقًا للوعد. فما نقرؤه في هذه العصور إنما هو انعكاس لعصور ضعف، حيث توارَت المواهب، وحلّ محلها مجد بشري أو رمزي. "لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً، يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَوُكَلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ." (1 بط 4: 10).

 

أعمال إبليس: الكذب، القتل، والخداع

  • قال الرسول يوحنا: "مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ الْبَدْءِ يُخْطِئُ. لأَجْلِ هذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ." (1 يو 3: 8): هنا نرى المواجهة الحاسمة: ابن الله أُظهر لينقض أعمال إبليس. وفي يوحنا 8: 44 قال المسيح: "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ." (يو 8: 44). الكذب والقتل إذًا هما أعمال إبليس، لا أعمال الله. والمسيح جاء لينقضها ويعلن الحق والنعمة.
  • التشويش في فهم الناموسيين وثنائية (Duality) العهد القديم: 
    - هناك تعليم يدعيه البعض إن الشيطان هو الوجه الآخر لله، كمثل القطبين الموجب والسالب. ولسنا نُفاجأ، فمثل هذا الفكر ينبع من الخلط بين السلطان الإلهي والشر، كما يتجلى في نصوص مثل: 
    صموئيل الثاني 24: 1 "وَعَادَ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ قَائِلًا: «امْضِ وَأَحْصِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا»." (2 صم 24: 1). أخبار الأيام الأول 21: 1 "وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ." (1 أخ 21: 1). فهل الرب هو الذي أغوى داود؟ أم الشيطان؟ 
    صموئيل الأول 19: 9 الروح الرديء من قبل الرب؟ "وَكَانَ الرُّوحُ الرَّدِيءُ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ عَلَى شَاوُلَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَيْتِهِ وَرُمْحُهُ بِيَدِهِ، وَكَانَ دَاوُدُ يَضْرِبُ بِالْيَدِ." (1 صم 19: 9). أي منطق؟ فالترجمة العبرية ما بين السطور تقول: "وكان روح يهوه الشرير على شاول."
    أيوب 2: 3 "فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. وَإِلَى الآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ»." (أي 2: 3): اللغة توحي وكأن الله يشتكي أن الشيطان هيّجه وكأن الله متأثر، نتيجة دخول الشيطان مجلس الله وكأنه يحضر اجتماعًا رسميًا، وهي صورة غير متسقة مع طبيعة الله كما أعلنها المسيح.

النصوص  السابقة تقدّم روايات مختلفة، مما يكشف عن تداخل في التعبير الناموسي القديم،  بل و تناقض صارخ مع إعلان العهد الجديد!!

  • بين القصيدة والتشريع: هل الله يصنع الشر؟: ما نقرأه أحيانًا هو شعر، كما في سفر أيوب، ولكنه لا يُنقل حرفيًا إلى العقيدة. امرأة أيوب قالت له: "فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: «أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ!» فَقَالَ لَهَا: «تَتَكَلَّمِينَ كَلاَمًا كَإِحْدَى الْجَاهِلاَتِ! أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟» فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ." (أي 2: 9-10). نعم، هذه لغة التديّن القديم الذي كان يتحاشى فكرة وجود "إله للشر" بجانب "إله الخير"، فأدخل كل شيء تحت سلطة الله الواحد.
  • التشويش اللاهوتي... إلى اليوم: لهذا السبب، يظهر سؤال العصر:" ليه ربنا سقّطني في الامتحان؟" – "ليه ربنا خلّى ابني يعمل حادثة؟"  - "ليه ربنا ما أنقذنيش؟"

 

الجواب المسيحي: إعلان يسوع المسيح

  • الله الآب لا يصنع الشر. لأن أعمال الشر هي من إبليس. والمسيح جاء لينقضها.
  • الله ضابط الكل: فهل يحدث الشر بسماح منه أم بالمعاندة له؟
  • يطرح الفكر التقليدي سؤالًا: إذا كان الله ضابط الكل، فهل يمكن لأحد أن يعانده؟ وهل الشر يحدث بسماح إلهي؟
  • العهد الجديد يوضح بجلاء أن الشرير هو المعاند والمقاوم. ولو لم يكن الشيطان قادرًا على المعاندة، لأُبطِل جوهر الحرية ومفعول الصراع بين النور والظلمة.
  • الإرادة الإلهية المُعلنة، والمعاندة البشرية: النص الكاشف في هذا السياق هو قول المسيح: "«يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!" (مت 23: 37)، هنا تتجلى الإرادة الإلهية: أردتُ. وتتجلّى الإرادة البشرية المعارضة: لم تريدوا.

 

الحرية: صورة الإنسان في إعلان المسيح

السبب الذي يجعل الإنسان قادرًا على الانحياز إلى الشر هو حرية الإرادة. عند قراءة التوراة، لا نجد لفظ "الحرية" في مفرداتها،  لأن الإنسان يُقدَّم هناك كعبد للخطية، والمفهوم الناموسي لا يسمح بفكرة الحرية كجوهر الوجود البشري. لكن في إعلان المسيح، تُسترد الحرية، وتُرفع إلى مكانتها الأصلية: روح الرب عليّ، لأنه مسحني لأبشّر المساكين... لأُرسل المنسحقين في الحرية.  "«رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ،" (لو 4: 18). "فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا." (يو 8: 36).

  • الحرية تكشف جوهر الصورة الإلهية في الإنسان: إذا لم يُخلق الإنسان على صورة الله في الحرية، لما استطاع أن يختار. والاختيار يُحدّد مصيره: إمّا أن يدخل في الحياة مع الآب، أو أن يُطرح مع إبليس في الجحيم المعد له ولملائكته."«ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ،" (مت 25: 41).
  • الجحيم: سجن إبليس: الجحيم ليس من صنع الله، بل هو بيت إبليس، المعتقل الذي احتجز فيه النفوس. لكن المسيح، بقوة القيامة، نزل إليه ودمّره، محررًا المقيدين بالموت، ومُعيدًا الرجاء والحياة. هذه صورة الإنجيل: المسيح يفتح أبواب الرجاء حيث ظن إبليس أنه أغلقها إلى الأبد.
  • الكنيسة ومواهب الروح: شهادة الحضور الإلهي: "إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي." (يو 10: 37)، فكما كانت أعمال المسيح برهان لاهوته، هكذا تكون أعمال الروح القدس في الكنيسة شهادة على حضور الابن. وإذا كانت الكنيسة عارية من مواهب الروح، فهي تفتقر لأداة الشهادة التي تُعلن مجد المسيح، ابن الله الحي. تحتاج الكنيسة إلى انتباهه، استنارة، استعادة لحق الإنجيل، ووحدانية الروح، ليُسكب الروح القدس من جديد فيها، بقوته، وحضوره، ومواهبه.

 

عنوان المحاضرة القادمة "أنا هو القيامة والحياة"

Powered By GSTV