رأيٌ في الأحداث (٦٨) | إعادة كتابة التاريخ
Nov 06, 2025 8
980 79

رأيٌ في الأحداث (٦٨) | إعادة كتابة التاريخ

في رأيي، إنَّ افتتاح مصر للمتحف المصري الكبير في هذا الوقت بالذات لم يكن مُجَرَّد مشروعٍ خطَّط له المصريون قبل عقدين من الزمان، وتمَّ اكتماله وافتتاحه اليوم؛ بقدرِ ما أراه جاء في توقيتِ انطلاقةِ مصر واستعادتها لمصريَّتها الحقيقية.
إنَّ محاولةَ اختطافِ مصر لم تبدأ اليوم ولا بالأمس، بل خُطِّط لها من قِبَلِ ممالكٍ وجيوشِ الفرنجة، منذ أيَّامِ الحملة الفرنسية والاحتلال البريطاني. وحين فشلوا في احتلالها سياسيًّا، زرعت المخابرات البريطانية جماعة "الإخوان المسلمين"؛ لأنهم أدركوا، بالتجربة والتاريخ، أن المصريين شعبٌ متدينٌ ومتحمسٌ لعقيدته وإيمانه. كما أن تاريخ بريطانيا نفسه يذكر وصية الملك الإنجليزي لابنه: "احتفظ بالكنيسة إلى جانبك".
لا أحب أن أُعَرِّف نفسي بأنني رجل دين ــ مع أنني كذلك ــ بل أحب تعبير "رجل إيمان"؛ لأن الإيمان يقودك ويحملك إلى من تؤمن به، وما تؤمن به. أما الدين، فقد حمل البشرية على اختلافها إلى حيث أراد لها رجال الدين، ابتداءً من النبيِّ الفرعونيِّ العظيم موسى، مُؤسِّسِ الشريعة التي أوصتْ، على فمِ الله، بالاستيلاء على أراضي الآخرينِ بالقوة، وقتل الرجال وسبي النساء والأطفال (تث ٢٠: ١٣-١٤)، وقمعت حرية الإيمان، وأوصت بقتل المرتدِّ عن عبادة إله إسرائيل (تث ١٣: ٩)، وانتهاءً برجال الدين المعاصرين الذين يدعون إلى التقوى بينما كثيرٌ منهم ينكر قوتها (٢ تي ٣: ٥).
إنَّ نقطةَ البدايةِ والتصحيح التي لا أتصوّرُ بدايةً ولا فجرًا جديدًا بدونِها، هي نفسُها التي مثّلت نقطةَ التحول في أوروبا وأحدثت النقلةَ الكبرى في مسار البشرية: فصلُ الدينِ عن الدولة. فالدولةُ تُحكمُ بالدستورِ والقانونِ الذي وضعه وارتضاه البشرُ لأنفسهم، وأما الدينُ فهو اختيارٌ وحريةٌ شخصيةٌ وفردية. فإذا اجتمع المؤمنون بدينٍ أو عقيدةٍ معينةٍ وأسسوا كياناتٍ دينيةً أو طوائفَ يحكمها رجالُ دينٍ منتخبون من بينهم، فلا تدخّلٍ من سلطةِ الدولة، وهذا هو أحدُ معاني حريةِ العقيدةِ واختيارِ الإيمان.
ثم يأتي بعد ذلك استعادة عدالة المساواة ومحاكمة التمييز بين الأفراد بسبب الدين أو اللون أو الجنس، كما هو مطبَّق هنا في أمريكا وفق قانون منع التمييز. فمنذ أن أتيتُ إلى هنا للاستقرار عام ٢٠٠٨، لاحظتُ أكثر من مرة، وبأكثر من وسيلة، أن أجهزة الدولة المعنية هنا تعرف عني كل كبيرةٍ وصغيرة، وكانت تتابع قناة "الراعي الصالح" عندما كنت في كاليفورنيا (كل ليلة)، وكذلك عندما أتيت إلى بنسلفانيا وعقدت أول خدمة في كنيسة مستأجرة. كل ذلك دون أن يعترضني يومًا رجل شرطة، أو يرفع صوته عليَّ، أو يحتجز جواز سفري سنتين بلا وجهِ حق. كنت فقط أرى في مرآة سيارتي، سيارة الـFBI تتبعني من أستوديو "الراعي الصالح" إلى المبنى السكني الذي كنت أعيش فيه، وفي مرةٍ أخرى جاءني رجل الاستخبارات الحربية، والتقاني عند باب المطعم، وصافحني بأدب، وقدّم نفسه بأنه كان يعمل في المخابرات، وأدار حديثًا وديًّا وانصرف؛ هذا هو ما أُسميه أداء الواجب الأمني، ومراقبة الأشخاص المؤثرين مع احترام حرية الإنسان وكرامته.
من المفترض أن جميع المتدينين يدعون إلى تقوى الله وطاعة وصاياه، ويؤمنون بوجود آخرةٍ ويومٍ للحساب. لكني لا أفهم كيف يتسق هذا مع حالة الاستعلاء والشعور بالتميز، ويقينهم بامتلاك الحقيقة المطلقة! كما يحيرني اقتناع هؤلاء بصفات الاستعلاء والتمييز بين الناس مع رغبتهم في أن يكونوا حكامًا، فمن أين لهم العدالة التي يحكمون بها الآخرين؟
لذلك، فإنني أرى أن نقطة البداية الحقيقية هي فصلُ الدين عن الدولة، وتحقيقُ عدالةِ المساواةِ وعدم التمييز بين الناس؛ ليس فقط في تصريحات رئيس الدولة، ولكن في واقع التطبيق العملي لنظام الحكم.
وهذا هو رأيي في الأحداث.

بنسلفانيا – أمريكا
٥ نوفمبر ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV