كان بطش الدولة الرومانية قاسيًا ومريرًا في مواجهة حركات التحرر اليهودية من الاحتلال الروماني؛ مما أدى إلى تفريغ أرض إسرائيل ويهوذا من اليهود وتشتتهم من روما إلى ربوع أوروبا، فيما بقي في الأرض (التي عُرفت لاحقًا باسم فلسطين) قلةٌ من اليهود؛ إلى جوار خلطة من الأمم المجاورة؛ الذين أتوا وشغلوا الفراغ الحادث نتيجة إجلاء خيرة الشباب إلى روما ومنها إلى أوروبا.
تقوم مدينة أورشليم التاريخية على جبل صهيون وجبل المُرِيَّا، لكن جبل صهيون كان العلامة الأكثر ارتباطًا وتميزًا للأرض أي لأورشليم، ومن هنا أخذت دعوة عودة الشعب اليهودي إلى أورشليم اسم "الصهيونية" نسبة إلى جبل صهيون ورموزه المقدسة في الكتاب المقدس إشارةً إلى أورشليم نفسها.
ما ليس معلومًا للأكثرين: حقيقة أن دعوة عودة شعب اليهود إلى أورشليم بدأت بين المسيحيين الإنجليز كفكرة مسيحية؛ بدعوة أن عودة المسيح ومجيئه الثاني مُرتبطة بعودة اليهود إلى أورشليم التي أُخرجوا منها، ومن هنا فإن الحركة الصهيونية بدأت مسيحية بين مجموعة من الساسة الإنجليز المسيحيين قبل أن تتلقفها مجموعات من اليهود وتقف على تحقيقها: فالصهيونية المسيحية أسبق وأقوى فعليًا من الصهيونية اليهودية.
تُشير المراجع التاريخية إلى أهمية الدور الذي قام به المبشر المسيحي المعروف: جون داربي وكنيسته التي تأسست في مقاطعة بليموث في جَنُوب غرب إنجلترا: بالدور الرئيسي في التأسيس الفكري واللاهوتي للصهيونية المسيحية، والدعوة إلى حتمية عودة الشعب اليهودي إلى أورشليم حتى يعود المسيح إلى الأرض في مجيئه الثاني، وهو الفكر الذي أنتشر بعد ذلك في الأرض الجديدة (أمريكا).
تلقفت الجماعة اليهودية فكرة عودة الشعب اليهودي إلى أورشليم وظهرت الصهيونية اليهودية، وكان من أبرز من قاموا من اليهود بتأكيد ونشر هذه الدعوة هو اليهودي ثيودور هرتزل الذي نشر كتابه "الدولة اليهودية" في 1896م.
سعى هرتزل لجذب الدعم والتأييد لمشروعه القومي لاستعادة الدولة اليهودية: حتى وجد ضالته في عائلة روتشيلد اليهودية الثرية (التي تمتلك البنك المركزي الأمريكي حتى اليوم).
ونقلًا عن جاكوب روتشيلد – وقد سمعته بنفسي على التلفزيون الأمريكي يقول: "أننا نحن من دفعنا للحكومة الإنجليزية من أجل إصدار وعد بلفور لتأسيس دولة إسرائيل على الأرض التاريخية": وعليه صدر وعد بلفور وزير خارجية إنجلترا بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين سنة 1917م.
سنة 1948م نشطت الجماعات اليهودية في تهجير اليهود إلى أرض فلسطين لتأسيس الدولة اليهودية (إسرائيل)، وانتهى الأمر بنزاع مُسلح بين الجماعات اليهودية المهاجرة والجيوش العربية؛ انتهى بقرار عُصبة الأمم (قبل أن تتأسس الأمم المتحدة لاحقًا) بتقسيم فلسطين بين اليهود والفلسطينيين؛ الأمر الذي رُفض من جانب الفلسطينيين؛ فأُعلن قيام إسرائيل في النصف المُطل على البحر المتوسط، بينما أُسندت إدارة غزة للحكومة المصرية، وأُسندت إدارة الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى الحكومة الأردنية، قبل أن تحدث حرب يونيو 1967م التي آلت إلى استيلاء إسرائيل على غزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان السورية وضمتهم إلى حدودها، وكانت قد احتلت شبه جزيرة سيناء، ولكن مصر استعادتها بعد حرب أكتوبر والمفاوضات السياسية التي تلتها؛ التي انتهت باتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل؛ عُرفت باتفاقية كامب ديفيد 1978م (الرئيس الأمريكي جيمي كارتر).
بنسلفانيا – أمريكا
۹ مارس ۲۰۲٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath