هذا التعبير الشائع "ولدت من جديد" يستخدمه الناس حينما يحدث موقف يُغيّر حياته من حال إلى حال؛ كأن تأتيه ثروة من حيث لا يتوقع فَتُغيّر حالته من فقير إلى غني! أو تحدث له حادثة كالغرق مثلاً وينجو من موت؛ فيرى أن عمرًا وحياةً جديدةً صارت إليه من موتٍ أكيد.
المسيح له المجد في أيام جسده كان يستخدم نفس أسلوب الكلام والتعبيرات التي يستعملها الناس من حوله بما في ذلك الأمثال الشائعة التي يضربونها في أحاديثهم كقاعدة مألوفة لديهم لشرح تعليمه؛ ثم ينتقل من المألوف والمعروف إلى الفكرة السماوية التي يريد إعلانها ويربطها بالفكرة المعروفة تشبيهًا: "يشبه ملكوت السماوات"
هنا يشرح له المجد لنقوديموس ولادة الإنسان من جديد: فإذا كنت فقيرًا معدمًا فلا يمكنك مجالسة الأغنياء إلا إذا هبطت عليك ثروةً تُصيِّرك غنيًا؛ وكذلك إذا كنت من الأرض فلا يمكنك أن تدخل مملكة السماء إلا إذا هبط عليك من السماء ما يجعلك سماويًا؛ وإلا فلن يمكنك دخول السماء!
من يقرأ الفصل الثالث من إنجيل القديس يوحنا بتدقيق؛ خُلُوًا من التأثر مسبقًا بالنظريات اللاهوتية الكثيرة المتضاربة، سيجد الإجابة ومفتاح الفهم للسؤال: كيف يصير الأرضي، سماويًا؛ ومن أين له نوال منحة وقوة التغيير؟ في عبارة الرب التالية:
"وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ." (يو١٣:٣)
النور الأزلي هو الوحيد الذي نزل من السماء وتجسد في المسيح، وغيره أحد لم يصعد إلى السماء، الذي هو بنفس الآن ما يزال مالئًا السماء والأرض؛ ولهذا فهو الطريق والسلم المنصوبة بين السماء والأرض: طرفه في السماء والطرف الآخر على الأرض؛ الذي به تنزل حياة السماء إلى إنسان الأرض، وبه وفيه يصعد الإنسان الأرضي الذي صار سماويًا؛ إلى السماء.
شعاع النور المولود من النور الأزلي: هو الابن الوحيد للنور الخارج منه ويعرفه وواحد معه وكائن فيه (في حضن الآب)؛ فالنور ليس له إلا ابن وحيد (شعاع نوره) وحده هو المولود منه.
نحن نصير أبناءً لله بسبب نعمة اشتراكنا في الابن الوحيد؛ ونحن نصير أيضًا بالنعمة مولودين من فوق؛ بسبب نعمة اتحادنا وقبولنا للنور المولود من النور الأزلي، الذي أتى إلينا في الجسد.
الحياة الجديدة والميلاد الثاني والطبيعة الجديدة والحياة الأبدية: هي حياة المسيح نفسه التي يهبها للإنسان "كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ، وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ، فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي." (٥٧:٦)
ومن ثم فطبقًا لتعليم الإنجيل لمن يؤمن به: ليس لأحد الفرصة لدخول مملكة السماء؛ ما لم يولد من فوق أي يتحد بالنور المولود من الآب السماوي؛ حتى لو حاز على أعلى الرتب الكنسية وحتى لو وزع كل أمواله على الفقراء والمساكين، وكان من أعظم الخادمين والمبشرين! والعلامة القاطعة لنوالنا حياة المسيح هي المحبة الإنجيلية: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ." (١يو ٧:٤-٨)
وهذا هو المعنى والعلامة لكلمات المسيح: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ" (يو٣:٣)
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "المسيح كما أعلنه الإنجيل" اضغط عالرابط التالي
https://anbamaximus.org/articles/JesusAsTheGospelRevealed.php