لاهوت العهد الجديد (٢٧) | نارٌ لا تُطفَأ ودودٌ لا يموت
Nov 23, 2025 3
980 79

لاهوت العهد الجديد (٢٧) | نارٌ لا تُطفَأ ودودٌ لا يموت

لقد صادَقَ السيد المسيح له المجد على عبارات نبوءة إشعياء: "لِأَنَّ دُودَهُمْ لَا يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لَا تُطْفَأُ، وَيَكُونُونَ رَذَالَةً لِكُلِّ ذِي جَسَدٍ." (إش 66: 24). وقد استخدم المسيح نفس العبارات في إنجيل مرقس إذ يقول: "وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ فَاقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ وَتَمْضِيَ إِلَى جَهَنَّمَ، إِلَى النَّارِ الَّتِي لَا تُطْفَأُ. حَيْثُ دُودُهُمْ لَا يَمُوتُ وَالنَّارُ لَا تُطْفَأُ." (مر 9: 43-44). وكرَّرَ نفس المعنى في إنجيل متى (مت 18: 8-9) و (مت 5: 29-30).
في إنجيل لوقا (12: 4-5) يقول المسيح له المجد: "وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لَا تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ. بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هَذَا خَافُوا!"
فلماذا يحتجُّ بعضُ اللاهوتيين المجدِّدين على الحروب والقتل والطوفان في العهد القديم؟ أليسَ أنَّ مَن يُلقي ويُعذِّب في نار جَهَنَّم ويَجلُب العار والازدراء الأبدي هو نفسه مَن أهلكَ الناس بالطوفان وأمرَ يشوع بن نون بمُعاقبتهم بالذبح هم وأطفالهم في أريحا؟
أظنُّ أنَّ الإجابة على هذا السؤال هي أنَّ مَن يقتُل ويُهلك بكوارث الطبيعة، أو يأمر بالقتل في القديم، هو نفسه مَن يُلقي في نار جهنم في الجديد (مت 18: 8-9)، (مت 5: 29-30). فمَن له سلطان الموت في القديم هو بالتأكيد مَن له سلطان الموت في الجديد: "الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ" (عب 2: 14).
لكنَّ المشكلة الحقيقية هي في عيون أولئك الذين يقرأونَ إنجيل النعمة والحق (يو 1: 17) بعيون الموروث اليهودي الذي لم يقبل قوَّة القيامة والغَلَبة على الموت؛ لأنه لم يقبل ابن الله: الطريق إلى الآب والحق والحياة؛ وظلُّوا رازحين تحتَ سلطان الخطية والموت ومَن له سلطان الموت: إنَّه إبليس "ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ" (يو 8: 44). ذلك لأنَّ الموت كان قد اجتازَ إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع (رو 5: 12).
أمَّا عن كلام المسيح عن النار الأبدية، فهو لم يقُل أبدًا أنَّ الآب السماوي يُلقي في النار، بل قال: "يُلْقَى في النار" بصيغة المبني للمجهول. ولم يقُل أبدًا أنَّه يُميت، بل قال: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا" (يو 11: 25).
أمَّا عن تحذيره في (لو 12: 4-5): "خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ."، فالذي سيُلقي في جهنم هو الذي "بَعْدَمَا يَقْتُلُ"! فهل الذي يقتُل هو الآب السماوي، أم أنَّه إبليس القتَّال للناس منذ البدء؟
إنَّ عدم تمييز الكثيرين بين محبَّة الآب ونعمة العهد الجديد، بالمقارنة مع العهد القديم الذي كانت فيه كل البشرية جالسين في الظلمة وظلال الموت (إش 9: 2 و لو 1: 79)، ينبع من كون الموت قد اجتاز إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع.
فهل الآب السماوي هو الذي سيُلقي الهالكينَ ومحبي أعمال إبليس في النار الأبدية؟ أم هم الذين ذهبوا بغواية اللذة وبكامل حريَّة إرادتهم إلى أحضان إبليس الذي سيدينه ظهور مجد ابن الله، فتكون حالته: "النَّارُ الْمُعَدَّةُ لِإِبْلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ"؟
وهل المسيح هو الذي يُلقي الخطاة في الجحيم؟ أم أنَّه هو الذي نزل إلى الجحيم من قِبَل الصليب ليُخلِّص ويُطلِق المأسورين في سجن إبليس والموت إلى شركة قيامته؟ "الَّذِي فِيهِ أَيْضًا ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلْأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ" (1 بط 3: 19).
فهل آنَ الأوان لأن نقرأ القديم بعيون العهد الجديد ونتخلَّص من الموروث التلمودي إلى نعمة محبَّة الآب وابنه يسوع المسيح في الروح القدس، للحياة الأبدية والفرح الأبدي؟ ونتفهَّم أنَّ النار الأبدية هي حالة المعيَّة مع إبليس، وأنَّ الجحيم هو السجن الذي يعتقل إبليس فيه ضحاياه، وأنَّ ابن الله نزل إلى الجحيم في الروح لكي يُخلِّص أسراه من الجحيم: "وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ." (يو 8: 32).

بنسلفانيا – أمريكا
١٧ نوفمبر ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/NewTestamentTheology

Powered By GSTV