أهتمُّ في هذه الأيَّام بإجراءِ حوارٍ عقلانيٍّ مع الملحدين، سواءٌ أكان ذلك باللغة العربيَّة في الداخل، أو باللغة الإنجليزيَّة في العالم الخارجي. وقد وردَني ردًا على رسالةٌ بعنوان: "هل العهد القديم سببٌ للإلحاد؟!" من متابعٍ أمريكيٍّ يقول: "الله شرير، وكلُّ دينٍ شرير". ولمَّا ناقشه متابعٌ آخرُ على الصفحة في قوله أن الله شرير، أجابه: "أنت لم تقرأ الكتاب المقدَّس، ولا توجد طريقةٌ يمكنك من خلالها إثبات أن الله هو إلهٌ صالحٌ ومحبٌّ".
مِن خبرتي الطويلة كمبشِّرٍ مخضرم: أجدُ أن أغلب الملحدين يعملون عقولهم بطريقةٍ لا تحاصرها فكرةُ القداسة، وأن إجابات المؤمنين المسجونة داخل حجب القداسة غيرُ قادرةٍ على أن تجيب الملحد. فماذا عساك تقول لملحدٍ يُعمل عقلَه، ويتَّهم إله الكتاب المقدَّس بأنَّه شرير، إذا كان الكتاب المقدَّس يأمر موسى النبيَّ بغزو الأرض الموعودة وسبي النساء والأطفال (العدد ٣١: ١٧-١٨)، ويأمر يشوع بن نون بذبح أطفال أريحا (يشوع ٦: ٢١)؟
وإذا قلتَ: "أنا مسيحي، ولا شأن لي بأحداث العهد القديم"، فما عساك أن تجيب عن: "بدون سفك دمٍ لا تحصل مغفرة!" أو أن الله كان غير قادرٍ على أن يغفر للإنسان خطيئته وخطيئة آدم إلا بسفك دم؟! وكان هذا الدم في النهاية هو دم ابنه! أو أن الله لا يغفر لك خطاياك إلا إذا غفرها لك الكاهن أولًا، لأن الكاهن عنده سلطانٌ أن يغفر الخطايا!
إجابتي على هذه الاعتراضات بالترتيب هي:
1- لا يوجد نصٌّ واحدٌ في العهد الجديد يُلزمني بأنَّ كلَّ ما كتب في القديم هو موحى به من الله، والنص الذي يتشدقون به في (٢تيموثاوس ٣: ١٦) هو ترجمةٌ غير دقيقةٍ للأصل اليوناني، وأن الترجمة الصحيحة هي: "كل كتاب موحى به هو نافع".
2- حسب إيماني بإنجيل المسيح، فقد قال المسيح: "وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي. لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ، وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ" (يوحنا ٥: ٣٧)، وقال أيضًا: "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" (متى ٥: ٤٣-٤٤).
وعليه، فأنا أرفض رفضًا حاسمًا جازمًا أن يكون الآب السماوي قد قال لأيٍّ من هؤلاء: اقتل الرجال، واذبح الأطفال، واسبِ النساء.
3- الآب السماوي لم يُفوِّض أحدًا أن يغفر الخطايا بدلًا منه، ومن يدَّعون أنهم يغفرون الخطايا حتى يتسنى لله أن يغفر للإنسان بعد غفرانهم، هم مجموعةٌ من الجهلة المجدِّفين برأيي.
4- عبارة "بدون سفك دم لا تحدث مغفرة" مُنتزَعةٌ من سياقها من الرسالة إلى العبرانيين، إذ يقول عن خدمة الذبائح في الهيكل اليهودي: "وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ" (عبرانيين ٩: ٢٢). أما قولهم إن الله كان غير قادرٍ أن يغفر الخطايا إلا بذبيحةٍ وسفكِ دمٍ، فهو برأيي لا يقلُّ جهلًا وتجديفًا عن أولئك الذين يغفرون الخطايا حتى يُؤذِنوا لله بالغفران!
5- أمَّا لماذا مات المسيح لأجلنا؟ فلأنَّه هو الحياة، فقد دخل في مواجهةٍ نيابةً عنّا مع الشرير والموت، الذي استعبد به البشر بالخطايا والموت؛ ليُبطل المسيح: الخطية والموت ويطرح الشرير إلى خارج: "هكذا أحبّ اللهُ العالَمَ حتى وهَبَ ابنَهُ الأوحَدَ، فلا يَهلِكَ كلُّ مَن يؤمِنُ به، بل تكونُ له الحياةُ الأبديّةُ" (يوحنا ٣: ١٦)ت.ع.م.
ربما لو لم يكن للأديان هذا الرصيدُ والكمُّ الهائلُ من الخرافات، لما كان هنالك إلحاد.
بنسلفانيا – أمريكا
٢٢ أكتوبر ٢٠٢٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath